جوى للانتاج الفني
الرئيسيةنجم وناسالمايسترو عدنان فتح الله

المايسترو عدنان فتح الله

رامه الشويكي

فنان ومؤلف موسيقي مرموق استطاع أن يحجز لنفسه مكانة مميزة في الخارطة الثقافية السورية عبر مسيرته الفنية محاولاً من خلال مشروعه الوصول بالموسيقا العربية إلى المكانة التي تستحقها بعيداً عن الفوضوية.

في يوم العطلة استقبلنا المايسترو عدنان فتح الله، عميد المعهد العالي للموسيقا وقائد الفرقة الوطنية للموسيقا العربية، في مكتبه للحديث عن بداياته وأبرز محطاته الموسيقية
فقال: تعود جذوري إلى مدينة يبرود وأنتمي لعائلة تهوى العلم والموسيقا،
فوالدي الطبيب الجراح سعدو فتح الله ووالدتي غيداء منصور لاحظا اهتمامي بالموسيقا وعندما أصبحت في سن مناسبة لدراستها أكاديميا.ً
تتلمذت على يد الموسيقي قاسم خليفة رحمه الله وهو صاحب الفضل الأول لأنه أخذ على عاتقه نشر الموسيقا كحالة تربوية وثقافية في منطقة القلمون،
وكان يدرس جميع الآلات وأسس فرقة أطفال يبرود التي حققت سمعة طيبة ومثلت سورية بأكثر من محفل ثقافي يخص الأطفال واليافعين،
واخترت في ذلك الوقت دراسة العود وبدأ مشواري مع هذه الآلة،
وعندما وصلت إلى مرحلة الدراسة الاختصاصية انتسبت إلى المعهد العربي للموسيقا (معهد صلحي الوادي حالياً)،
ودرست الأعمال المكتوبة لآلة العود لدى الموسيقي جوان قرة جولي وكانت مرحلة تحضيرية لدخولي إلى المعهد العالي للموسيقا والذي تأخر لحين أنهيت دراستي في السياحة وإدارة مكاتب سياحية ودبلوم تسويق وسياحة من جامعة ايديكسيل في بريطانيا بمنحة من وزارة السياحة في ذلك الوقت وعندما أنهيت دراستي انتسبت إلى المعهد العالي للموسيقا عام 2005 وتخرجت منه عام 2010.

العود: الصديق الوفي

حول اختياره آلة العود، الصديق الوفي، الذي يرافقه بشكل يومي رغم انشغاله، يقول: عندما كنت طفلاً تشربت من البيئة المحيطة المشبعة بالموسيقا الشرقية، وتربيت على أصوات عبد الحليم حافظ، ومحمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، وأم كلثوم، إضافةً إلى توجيه الأهل آنذاك نحو آلة العود المرتبطة بنا جميعاً ثقافياً وسمعياً وتاريخياً وحسياً فبدأ مشواري معها وأصبحت علاقتي بها وطيدة، ورغم أعباء العمل في إدارة المعهد وقيادة الفرقة الوطنية للموسيقا العربية والتأليف والتوزيع فأنا أخصص جلسة يومية مدتها ساعة ونصف يومياً للتمرين والعزف، فاحتضان الآلة والعزف عليها هو حالة يصعب التعبير عنها.

مسيرة الاحتراف

من الدراسة إلى التدريس في المعهد العالي للموسيقا ثم تعيينه عميداً له عام 2019 اختلفت مشاعر المايسترو عدنان فتح الله فكل مرحلة من هذه المراحل لها متطلباتها ومسؤولياتها وواجباتها واستراتيجيات معينة بما يخدم الموسيقا السورية والمشهد الموسيقي السوري بشكل خاص.

 وعن علاقته مع الطلاب يقول: أتاح لي منصب عميد المعهد العالي للموسيقا الاقتراب أكثر من الطلاب مما سهل مهمتي في إدارته وحرصت على الاستمرار بعملية التدريس للاطلاع على مشكلاتهم واحتياجاتهم والتواصل الدائم معهم من خلال فرقة الآلات التقليدية وتدريس مادتي تاريخ الموسيقا العربية ونظريات الموسيقا العربية، وأرى أنه من واجبي تصحيح النظرة للموسيقا العربية والانتقال بها إلى المكان الذي يجب أن تقدم فيه بالشكل الصحيح بعيداً عن الفوضوية التي نراها أحياناً، وأسعى من خلال عملي السابق كرئيس قسم الموسيقا العربية أو حالياً من خلال فرقة الآلات التقليدية إلى تقديم موسيقا عربية بنمط أكاديمي يعنى جداً بأدق التفاصيل.

تحدي الظروف

حاول المايسترو عدنان فتح الله مع أعضاء مجلس المعهد خلال الفترة الماضية، لاسيما في فترة الحرب، عبر خطة واستراتيجية معينة الحفاظ على المستوى الأكاديمي للمعهد وتخريج كوادر موسيقية ترفد المشاريع الموسيقية سواءً في الفرقة السيمفونية الوطنية أو في الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية أو أي مشروع موسيقي آخر، ويحدثنا المايسترو فتح الله عن العملية التدريسية في المعهد بقوله: اعتمد المعهد في فترة تأسيسه على الخبراء الروس منذ عام 1990 وحتى 2013 وكان اعتماداً مهماً في المواد النظرية أو العملية وبعد مغادرتهم لظروف الحرب أصبح هناك مسؤولية على كادر المعهد وأساتذته ورؤساء الأقسام الذين لم يقصروا على الإطلاق، واليوم يتابع الكثير من خريجي المعهد دراستهم في أهم الجامعات الأكاديمية الموسيقية في العالم مما يدل على أننا نسير على الطريق الصحيح وحافظنا على مستوى الخريجين، وخطة العمل في المعهد مستمرة فهناك ورشات عمل هامة قريباً.

ويشير المايسترو فتح الله إلى أن المعهد العالي للموسيقا تميز بمستواه الأكاديمي على مستوى الشرق الأوسط والعالم العربي فقد تخرج منه أهم الموسيقيين الذين أصبحوا من أهم الموسيقيين في مؤسسات أكاديمية عالمية سواءً في العزف، التأليف الموسيقي، أو قيادة الأوركسترا.

وفيما يتعلق بالصعوبات التي تواجه المعهد يرى المايسترو فتح الله أنه تم تجاوز بعضها ولازال بعضها الآخر قائماً، وعن ذلك يقول: هناك نقص في الكادر التدريسي وسفر لعدد من خريجي المعهد العالي وهو أمر مؤلم على الصعيد الإنساني فبعد دراستهم في المعهد لمدة خمس سنوات يسافرون إلى دول أخرى، وبالتالي لا نستطيع الاستفادة منهم سواءً من ناحية رفد المشاريع الموسيقية في سورية أو بالعمل التدريسي، وبالنسبة للصعوبات المتعلقة بإصلاح الآلات الموسيقية لدينا خبراء في إصلاحها لكن هناك شح في المواد نحاول تجاوزه، فهي تحتاج إلى صيانة ودوزان باستمرار.

 ثقافة حياة

وعن الوقوف على مسرح دار الأوبرا وخصوصية الجمهور السوري يقول: هو طموح بالنسبة لنا منذ أن كنا طلاباً أردنا أن نقدم مشروعنا على هذا المسرح الذي يحافظ على سوية معينة وتقدم على خشبته أهم المشاريع الموسيقية ويأتي إليه الموسيقيون من جميع أنحاء العالم، لهذا المسرح خصوصية كبيرة بالنسبة لي، كانت غايتي أن أقدم عليه مشروعي ولم يكن أمراً سهلاً بل يتطلب دراسةً وجهداً وعملاً، وأرى أن الجمهور السوري لا يستهان به لأنه يستطيع التمييز بين الجيد والرديء وهو قادر على توجيه النقد والتعبير عن رأيه حتى أثناء وجوده في المسرح من خلال التصفيق والتعاطي مع العمل الفني فهو جمهور مثقف وذواق، بدليل أننا خلال سنوات الحرب كنا نشهد حضوراً واسعاً رغم  سقوط القذائف، ومررنا بلحظات تدمع العين فيها عندما نشاهد الأعداد الكبيرة من الحضور وعشنا مشاعر مختلطة من فرح وفخر بهذا الجمهور المتعلق بالموسيقا وكان لدينا إيمان ورسالة نريد إيصالها رغم الظروف فثقافتنا هي ثقافة حياة منذ آلاف السنين والشواهد التاريخية تعبر عن ذلك.

عدنان فتح الله
عدنان فتح الله

صناعة هوية موسيقية

بدأ المايسترو فتح الله بقيادة الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية عام 2013 وحول الرسالة التي يحاول تقديمها من خلالها يقول: هناك عدة أهداف ورسائل أولها توثيق التراث السوري خصوصاً والعربي عموماً بطريقة أكاديمية تعنى بالتفاصيل حيث قمنا بمعالجة علمية وموسيقية للأعمال: كيف تكتب النوطات، كيف تتوحد الأصوات، إلى جانب تطوير هذه الموسيقا حيث قدمنا في مكتبة الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية حوالي 60 عملاً لموسيقيين شباب من خريجي المعهد وهو أمر ضروري للمستقبل ويؤسس هوية للموسيقا في سورية، ونحرص على تقديم هذه التجارب الإبداعية من ناحية التلحين والتأليف بكل حفل، ومن واجبنا أيضاً استقطاب المواهب الشابة والتعريف بأصواتهم سواءً في الموسيقا والغناء الشرقي أو العزف.

ويؤكد المايسترو فتح الله على موضوع حساسية الأغاني التراثية التي يجب ألا تتضمن توزيعاً كبيراً أو معقداً فهي أغان بسيطة يجب أن تصل للجمهور كما سمعها دون تشويه من ناحية البناء والمقام والإيقاع، ويكون التجديد من ناحية آلية أو طريقة الأداء والاعتناء بالتفاصيل كترتيب عزف الآلات، ويعارض فكرة إضافة هارموني أو تلوينة صوتية بعيدة عن اللحن الأساسي للأغنية، فبالإمكان إضافة ألوان وخلفية بسيطة مرافقة مع المحافظة على الهوية الأساسية للأغنية دون الخروج عن طبيعتها الأصلية.

فيما يتعلق بمراحل التأليف الموسيقي يرى أن المقطوعة الموسيقية قد ترتبط بحدث معين أو جملة موسيقية تخطر على باله يتم البناء عليها فهناك ميلودي أساسي لأي قطعة موسيقية تبنى عليه ألوان موسيقية باستخدام آلات الأوركسترا وخليط الأصوات مع بعضها البعض وكل ذلك يتحقق بالخبرة والرسالة التي يريد المؤلف الموسيقي إيصالها، ويشبه المايسترو فتح الله القطعة الموسيقية باللوحة الفنية فهي تبدأ من الخيال ثم تترجم على الورق ويتم تخريجها مع العازفين وتقديمها للجمهور.

ولدى سؤالنا له عن المزج بين الألوان الموسيقية الغربية والشرقية على العود قال: اعتبر حالة المزج ضرورية وعندما يكتب المؤلف الموسيقي عملاً موسيقياً ويكون على دراية بآلات الموسيقا العربية ومختصاَ بها تظهر النفحة أو الصبغة الشرقية في أعماله بوضوح دون أن يتعمد ذلك من خلال المقامات المستخدمة، وفي الأعمال التي كتبتها كان العود والقانون وآلات الموسيقا العربية والإيقاع الشرقي حاضرة وفي الوقت نفسه تحضر الآلات الأخرى كالفلوت والآلات النحاسية وآلات الإيقاع الكلاسيكية، ومن وجهة نظري عند التأليف الموسيقي تكون كل الآلات الموسيقية الموجودة في العالم متاحة بالنسبة للمؤلف لأن أساسها في الخيال ويحق له استخدامها جميعاً لتحقيق اللون الموسيقي الذي يريد تحقيقه.

من روح الشرق

حصل اسم  ولوغو الخماسي الموسيقي “من روح الشرق” الذي أسسه المايسترو فتح الله مؤخراً على رقم إيداع في وزارة الثقافة لحماية الملكية ولازال مستمراً بحفلاته ورؤيته الفنية
التي يقول عنها: من واجبي المحافظة على ما يقدمه هذا الخماسي،
وما اكتبه من مؤلفات ضمن قوالب الموسيقا العربية الكلاسيكية من سماعي نهوند، لونغا،
بالإضافة إلى قوالب الموسيقا الحرة فالمهمة الأولى للخماسي هي تقديم الموسيقا الأصيلة الصرفة والثانية بقاء الآلات الشرقية حاضرة لدى الشباب كشيء مرئي وسمعي.

ونحضر لحفل قريب للموسيقا الآلية من تأليف الملحن العظيم محمد عبد الوهاب على مسرح دار الأوبرا التي لا يعرفها الكثير من الناس فهي موسيقا صرفة كتبها دون غناء ولم تقدم من قبل.

ويصف المايسترو فتح الله مهمة تعريف الأجيال الشابة بالموسيقا التي قدمها عمالقة الفن العربي بالصعبة ويحاول تحقيقها سواءً من خلال حفلات الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية أو من خلال “خماسي من روح الشرق”
فيقول: ما يبث حالياً لجيل الشباب مختلف كلياً عما سبق وأصبح لدينا جيل لا يعرف من هو محمد عبد الوهاب، رياض السنباطي، أم كلثوم أو حتى القامات الموسيقية السورية كصباح فخري، عدنان أبو الشامات، صبري مدلل، وغيرهم،
هذا أمر محزن بالنسبة لي ولا أعرف على عاتق من تعود المسؤولية هل تعود على الأسرة، المدرسة، وسائل التواصل الاجتماعي، وسائل الإعلام لكن هناك خلل ما!

تجارب غنية

قاد المايسترو فتح الله الفرقة الموسيقية مع كبار الفنانين مثل ميادة حناوي، هاني شاكر، صفوان بهلوان. عن هذه التجارب يقول:

تحمل هذه الأعمال طابع الشراكة،
فالعمل مع الفنان صفوان بهلوان مفيد من ناحية الملاحظات التي يقدمها والتي حرصت مع أعضاء الفرقة على تنفيذها، وكذلك اعتبر التجربة مع الفنانة ميادة الحناوي مهمة جداً،
كما أن وجود الفنان هاني شاكر في دار الأوبرا السورية وشهادته بالفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية موجودة بفيديو على يوتيوب،
وعند حضوره إلى دمشق كانت التحضيرات ممتازة للحفل، إضافةً إلى الشراكة مع الفنانة الراحلة ميادة بسيليس والموسيقي سمير كويفاتي بأكثر من حفل قدم بمنتهى الأمانة معهما.

 ويوجه المايسترو فتح الله تحية كبيرة للأساتذة والموسيقيين أعضاء الفرقة الوطنية للموسيقا العربية الذين أثبتوا جدارتهم وخبرتهم الكبيرة والذين يبذلون جهدهم لتقديم أعمال مميزة نفخر بها فقد أثبتت الفرقة احترافية العالية بشهادات فنانين من جميع أنحاء العالم العربي.

عدنان فتح الله
عدنان فتح الله

السر في الاسم!

وعن السر وراء نجاح الحفل الذي أقيم بتاريخ 18 و19 أيلول 2023 بمناسبة مئوية الشاعر نزار قباني بقيادة الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية
يقول: ميز الحفل اسم الشاعر الكبير نزار قباني ونتمنى أن نكون قدمنا تحية لقامة عظيمة مؤثرة بالشعر العربي والعالمي الحديث وهذا الحفل هو بداية لسلسلة من النشاطات التي تقوم بها وزارة الثقافة لتكريمه.

كيميا!

تربط المايسترو علاقة مميزة مع الفنانة ليندا بيطار على الصعيد الفني يقول عنها:
هي من الأصوات السورية الأكاديمية المهمة والأنيقة وهي أستاذة الغناء الشرقي في المعهد العالي للموسيقا وتبذل جهدها لتخريج طلاب على سوية عالية،
يتسم صوتها بالمرونة وهي قادرة على تطويع أي أغنية من خلاله،
نجتمع على مشروع تقديم مغنية سورية ملتزمة تقدم أعمالا تحمل قيمة موسيقية وفكرية على مسرح دار الأوبرا بصيغة مختلفة خدمةً للأغنية السورية وتوافقنا على صيغة معينة نحقق من خلالها هذا المشروع وتم التعاون بأكثر من أغنية
منها مؤخراً “يا سيد العيد” قصيدة للشاعر وسام رحال ومن ألحاني،
و”أخفي الهوا” من كلمات ابن الفارض ومن ألحاني وتوزيعي،
وقمت بتوزيع مولية من ألحان الفنان الياس كرم،
وغيرها وهذا الانسجام الروحي بالموسيقا أو الكيميا سواءً مع الفنانة ليندا أو مع خمسة أشخاص ضمن “من روح الشرق” ضروري جداً لتقديم نتيجة مرضية.

مطلب محق

في السابق طالب المايسترو فتح الله بوجود مؤسسة إنتاج موسيقي أسوة بمؤسسات الإنتاج الدرامي والسينمائي وفي حوارنا معه أصر على هذا المطلب لأنه يشكل حاجة ملحة
يقول عنها: مثلما حرصنا في الماضي على أن يكون لدينا دار اوبرا سورية من المفترض أيضاً أن تكون هناك هيئة عامة أو شركة للإنتاج الموسيقي سواءً للموسيقا أو الغناء لأن لدينا ما يستحق أن يتم تسجيله لينتشر ويتم التسويق له من خلال مختصين في هذا المجال،
يستحق المؤلفون والملحنون والموسيقيون التواجد على وسائل التواصل الاجتماعي بالشكل اللائق وتحقيق الانتشار.

وعن معايير تحقيق تريند على صعيد الموسيقا لا يخفي المايسترو فتح الله حيرته أمام بعض الموسيقيين الذين يحصدون مشاهدات عالية على وسائل التواصل الاجتماعي والذين يقدمون محتوى مبتذلا لا يحمل أي قيمة بينما نجد موسيقيين يقدمون موسيقا ذات قيمة فكرية وموسيقية لا يحققون متابعة عالية،
ويصف هذا بالأمر المؤسف ويرى أننا أمام أزمة كبيرة
وينهي حواره مع “فن وناس” بالتساؤل: هل يمكن للفن الملتزم الذي يحمل قيمة فكرية أن يصبح تريند؟

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة