جوى للانتاج الفني
الرئيسيةفي الصالاتالسينما المستقلة والداعمون الجدد..

السينما المستقلة والداعمون الجدد..

عمرو علي

التفاف حول صناعة ناشئة

قبل أكثر من خمسة عشر عاماً أطلقت معظم المهرجانات السينمائية العربية الكبرى أذرعاً إنتاجية عبر صناديق دعم الإنتاج والتمويل التي استهدفت دعم الإنتاجات السينمائية المُستقلة الآخذة في الصعود خلال تلك الآونة،
بالاستفادة من تطور تقنيات الفيديو والديجيتال ومن ثم الديجيتال سينما في مرحلة لاحقة،
حيث تحدّد هذا الدعم ضمن ثلاث مراحل رئيسية من مراحل صناعة الفيلم
وهي:
التطوير والإنتاج وما بعد الإنتاج، ومن أبرز هذه الصناديق (سند ـ مهرجان أبوظبي)، (إنجاز ـ مهرجان دبي)، (تكميل ـ أيام قرطاج)، (صندوق البحر الأحمر ـ مهرجان البحر الأحمر)
إضافة إلى (جوائز الجونة ـ مهرجان الجونة) وغيرها،

سند
سند

ولم يقتصر الأمر على المهرجانات السينمائية وحسب إذ سرعان ما أنشِأَت صناديق ومؤسسات حكومية ومُستقلة تستهدف بدورها هذا النوع من الإنتاجات وتسعى إلى دعمها وتمويلها في سبيل رفد التجارب السينمائية البديلة ضمن النطاق الإقليمي
ومن أبرزها (مؤسسة الدوحة للأفلام)، (الهيئة الملكية الأردنية للأفلام)، (الصندوق العربي للثقافة والفنون – آفاق) وغيرها،

مؤسسة الدوحة للأفلام
مؤسسة الدوحة للأفلام

ورغم بعض الأقاويل التي استهدفت هذه المؤسسات وشكّكت بمراميها وبمدى استقلاليتها وبموضوعية معاييرها،
فإن هذه الطفرة المُنتَظَرة في مجال السينما المستقلة جاءت بلا شكّ كاستجابة لنداءات عديدة أطلقها السينمائيون العرب المُستقلون،

مهرجان البحر الأحمر
مهرجان البحر الأحمر

وكخلاصة لمعارك إبداعية سبق وأن خاضوها في خضم معاناتهم الشديدة خلال عقود سابقة لإنتاج أفلام فنّية لا تنسجم مع إنتاجات السوق السينمائي ومُتطلباته،
وتحديداً في إطار السينما المصرية ذات الكمّ الأبرز والسوق السينمائي الأكبر في الشرق الأوسط، حيث أنه لولا وجود هذه الصناديق والمنح وطرائق الدعم لما أبصرت العديد من الأفلام النور،
وخاصّة تلك التي استطاعت بُعيد إنتاجها الحضور في أكبر المهرجانات العالمية واقتناص بعض الجوائز المرموقة لتُعيد بذلك إلى السينما العربية الكثير من الألق،
ولعلّ واحدة من أبرز المفاعيل الإيجابية لهذا النمط من الإنتاج يتجلّى في هامش الحرّية الذي توفّره لدى صانع الفيلم طالما أنه قد تخلّص نهائياً من سلطة المنتج التقليدي الساعي نحو الربح، والحفاظ بالتالي على استقلالية الفيلم وإنجازه وفق رؤية صانعه بأقل قدر من التدّخلات والمؤثرات الخارجية،
إضافة إلى ما حققّه هذا النمط من الإنتاج من بعض التوازن في ميزان الصراع بين السينما المُستقلة والسينما التجارية،
وهو صراع مُزمن في شتّى الصناعات السينمائية العالمية،
إلا أنه ومع بداية العقد السابق وبالتزامن مع توقّف اثنين من أكبر المهرجانات العربية، وهما أبو ظبي ودبي، وتوقّف صندوقيهما وخروجهما من معادلة الدعم،
راحت الأذرع الإنتاجية تتجه نحو إقامة مُلتقيات تنضوي تحت رايتها مجموعة واسعة من الجهات الحكومية أو المُستقلة والفضائيات التلفزيونية ومنصّات البثّ التدفقي وحتى شركات الإنتاج الراغبة بدعم السينما المُستقلة،
وراحت هذه الجهات المتنوعة تختار المشاريع التي ترغب بدعمها وتمويلها والمشاركة في إنتاجها بأساليب وطرق متنوعة،
أولها سلف التوزيع وليس آخرها شراء حقوق العرض التلفزيوني أو الإلكتروني،
وتحّولت بعض هذه الملتقيات تدريجياً إلى مُرادف للأسواق السينمائية،
مع فارق جوهري أنها أصبحت تتعامل مع مشاريع قيد التحضير أو الإنجاز وليس مع أفلام مُنجَزَة سلفاً،
ورغم الآفاق الكبيرة التي فُتِحَت أمام السينما المُستقلة جرّاء هذا التنوع في أساليب الدعم والإنتاج،
إلا أن هذه الجهات سرعان ما راحت تلتف حول صناعة السينما المُستقلة في سبيل فرض شروط مُحدّدة وإجراء تعديلات تُناسب سياستها الإنتاجية والتسويقية،
وهذا بالمناسبة حقّ مشروع لها، لولا أنها قد شكلّت خرقاً في صناعة السينما المُستقلة الناشئة أصلاً،
وانتقل الصراع من شكله التقليدي بين مخرج ومنتج إلى صراع بين مخرج وجهات متنوعة لكلّ منها أهداف ورؤى قد تتباين أحياناً وقد تلتقي في أحيان أخرى،
وهذا ما يؤدي لاحقاً إلى تجريد الفيلم من استقلاليته التي حُورِبَ كثيراً من أجلها،
وإلى تقليص هامش الحرّية الذي كان مُتاحاً لدى الصانع المُستقل خلال فورة الإنتاج الأولى،
وهو ما يعني في العمق تشويه هذا النمط من الصناعة المُستقلة وإعادتها شيئاً فشيئاً إلى المربع الأول طالما أن الجهات التي كانت، من خلف الكواليس على الأقل،
طرفاً في صراع تقليدي مع السينما المُستقلة سرعان ما أصبحت تحتضن هذه السينما نَفسَها ضمن ملتقيات التمويل والإنتاج المُشترك وتسعى إلى تحويل الفيلم المُستقل،
على نحو من الأنحاء، إلى نسخة من الفيلم التجاري التقليدي لضمان عمليات البيع والتوزيع،
ولو أنها نسخ أكثر جودة وفنّية بطبيعة الحال، أو لتطويع الفيلم المُستقل ليتناسب مع سياسات الفضائيات والمنصّات وتوجهاتها،
وبينما كان إنتاج الأفلام البديلة والمُستقلة غايةً وهدفاً بحدّ ذاته لدى الصناديق التابعة للمهرجانات بهدف احتضان العروض العالمية الأولى للأفلام بما تعود به من سمعة وقيمة مُضافة تكتسبها تلك المهرجانات،
فإن هذا الهدف لم يعد بحدّ ذاته أولوية لدى الداعمين الجدد،
حتى أن العرض الأول للأفلام المدعومة ضمن المهرجانات الأم المُقيمة للملتقيات لم يعد شرطاً واجباً في الأصل،
ويكفي أن نذكر أن واحدة من جوائز أو أشكال الدعم السائدة حالياً تتضمّن حصول الشركة الداعمة على حقوق التوزيع في منطقة جغرافية مُعينة كالشرق الأوسط وشمال إفريقيا على سبيل المثال،
وهذا يعني بعبارة أخرى الاستحواذ الكامل على إيراد الفيلم وحقوق توزيعه مقابل نسب مئوية مرتفعة تقطع على شركات الإنتاج المُستقلة طريقها لتغطية تكلفة الفيلم والاستمرار بالتالي في إنتاج الأفلام المُستقلة دون الحاجة إلى التقدّم لمنح الدعم والتمويل لاحقاً.

علي معزة و ابراهيم
علي معزة و ابراهيم

ربما تسود نظرتنا إلى مستقبل السينما العربية المُستقلة مسحة تشاؤمية،
ولكننا نزعم مع الأسف أنها نظرة واقعية تستند إلى وقائع وحقائق وتجارب ماثلة أمام أنظارنا،
مع ضرورة توضيح أننا لا نتقصّد التعميم بقدر الإشارة إلى النتائج السلبية لهذا الالتفاف البيّن حول صناعة ناشئة،
وهو ما يُهدّد بالتأكيد مستقبل السينما المُستقلة في المنطقة ويُجردّها من مكتسبات كبيرة نجحت في اقتناصها بجهود بالغة.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة