جوى للانتاج الفني
الرئيسيةنقد تلفزيونيالدراما المصرية في رمضان... صناعة الإبهار البصري والنص الموجه

الدراما المصرية في رمضان… صناعة الإبهار البصري والنص الموجه

طارق العبد

مع أكثر من ثلاثين عملاً درامياً في رمضان 2024، تحمل التوقيع المصري، بات من المحسوم أن الإنتاج لم يعد مجرد سلعة ترفيهية للمشاهد،
بقدر ما هي صناعة حقيقية تشكل مدخولًا هامًا للاقتصاد، وبنفس الوقت تحمل قيمة عالية،
ابتداءً من النص والإخراج والتمثيل، مع طرح مواضيع جدلية.
على أن اللافت هذا العام هو تميز النجوم الشباب لصالح غياب الكبار المفاجئ.

فمنذ عام تقريبًا ومعاناة الاقتصاد المصري تظهر للعلن أكثر من أي وقت مضى،
لكن انعكاساتها بدت حادة في الشهور القليلة الماضية، مع أزمات سعر صرف الجنيه المصري وإجراءات شد الأحزمة على أكثر من قطاع في البلاد.
أمر دفع البعض للشك بما ستقدمه الشاشات في رمضان، سواء بالكم أو النوع، لكن حسابات صناع الدراما كانت في غير اتجاه.

ما يقارب ال٣٤ عملاً وجدت طريقها للعرض عبر المحطات التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وهي قطاع شبه حكومي يستحوذ على عدد من القنوات وتطبيق “watch it” بالإضافة لإنتاجه أكثر من ثلثي المسلسلات.
بينما نجح المنتجون بحجز مواعيد للعرض على الشاشات العربية بداية من MBC مصر والسعودية،
مرورًا بتطبيق “شاهد” التابع لها،
وصولًا إلى باقي القنوات الخليجية ومنصات البث الرقمي.
وبذلك تكون الدراما أكبر من وسيلة ترفيه، بقدر ما تشكل عائدًا هامًا للاقتصاد.

 

مسلسل الحشاشين
مسلسل الحشاشين

إسقاطات تاريخية على الحاضر المصري!

ومع هذا الكم العالي، جاءت المفاجأة الثانية متعلقة بالمحتوى المقدم. وإذ لا يخفى على أحد أن رسائل عديدة تمرر ضمن المسلسلات التي تصل لمئة مليون مصري وملايين العرب،
فإن الحرفية أن تقدم تلك الرسائل بمادة مشوقة تحمل قيمة عالية وإبهاراً بصرياً، ولو كان ذلك بإثارة الجدل نسبياً. هذه ببساطة هي معادلة مسلسل “الحشاشين” (تأليف عبد الرحيم كمال، إخراج بيتر ميمي).
عمل يذهب بالدراما المصرية للمرة الأولى، لقلب بلاد فارس لقصة حسن الصباح، الرجل الذي هز عروش الدول من حوله.
حسناً، لماذا يتجه النص لهذه الحكاية وما علاقتها بالتاريخ المصري أو ما تأثير الجماعة على المجتمع هناك؟
خاصةً أن حسن الصباح لم يمكث في مصر كثيراً؟
لا يوجد جواب. ولكن ماذا لو تم إسقاط تلك الحقبة التاريخية على حاضر المحروسة في العقدين الأخيرين مع جماعة اشتهرت بالاغتيالات وتجنيد المقاتلين وغسل دماغهم حتى الاستعداد للموت دون نقاش؟
هنا الإجابة واضحة، والرسائل التي أريد إيصالها ستغدو أكثر وضوحاً، لا سيما وأن الحوار مكتوب بالكامل باللهجة المصرية.
أمر يتشابه مع مسلسل “رسالة الإمام” في الموسم الفائت، ويرافقه جهد إخراجي وإنتاجي واضح، بل مبهر بصرياً، وأداء تمثيلي لكريم عبد العزيز لا يمكن إلا الإشادة به.

مسلسل الإمام
مسلسل الإمام

إسقاط من نوع آخر قدمته الدراما المصرية هذا العام عبر امبراطورية “ميم” (عن رواية إحسان عبد القدوس، إخراج محمد سلامة). فللمرة الثانية يدق خالد النبوي بطل المسلسل عالم الرواية الأدبية، رغم تقديمها في فيلم سنة 1972 بطولة فاتن حمامة في ذلك الوقت. غير أن القصة تتجه لما هو أبعد من رجل أعمال يسعى لتملك بيت، فيسعى لقطع الكهرباء والمياه والاتصالات عن السكان قبل أن يظهر خط آخر حين يستضيف بطل العمل فتاة لا تملك منزلاً ولا عائلة لتتصرف الأخيرة وكأنها تملك البيت، ليغدو المسلسل أكبر من مجرد حدوتة تستمر لثلاثين حلقة، بقدر ما يحمل سلسلة من المواقف التي تمرر بسياق العمل لإيصالها للمشاهدين.

15 حلقة كافية لحكاية متماسكة

ميزة إضافية حملتها الدراما المصرية في هذا الموسم وهي تصاعد الاعمال التي تكتفي بخمسة عشر حلقة،
فتضمن ايقاعاً متماسكاً للحكاية دونما إطالة وتخلق حالة من التشويق والجدل بنفس الوقت.
هنا لابد من الإشارة لعملين حققا بجدارة هذه المعادلة وهما “صلة رحم” (تأليف محمد هشام عبية، إخراج تامر نادي) و”مسار إجباري” (تأليف أمين جمال ومحمد محرز ومينا بباوي، إخراج نادين خان).

مسلسل مسار اجباري
مسلسل مسار اجباري

ففي المسلسلين هناك حكاية مقدمة بأسلوب جميل ومشوق،
ولعل اللافت في “صلة رحم” هو أنسنة الشخصيات، فلا أحد يتمتع بالطهرانية المطلقة والجميع يرتكب أخطاءه في الحياة ضمن سعيه لتحقيق رغبته،
بداية من الرجل الذي يريد طفلاً بعد إخفاق زوجته بالحمل وسط صراع يعتمد قصة تأجير الأرحام.
صحيح أن الفكرة قد تم عرضها مسبقاً،
ولكن المعالجة الدرامية والجدل حول مصير طفل يخرج للحياة قبل وفاة والده بثوان وصراع سيدتين تسعيان للأمومة رفعت من شأن المسلسل بشكل واضح.
ويجب الإشارة إلى أن يسرا اللوزي كانت في أفضل حالاتها منذ سنين وهي تجسد دور البطولة لطبيبة تكتشف أنه تم استئصال رحمها فتدخل في دوامة صراعات كبرى.

أما في “مسار إجباري” فتتشابه القصة حول علاقة الأشقاء فيما بينهم ولكنها تتجه لعرض واقعي وبعيد عن المبالغة أو منطق القتل والدم، على أن نقطة لافتة تحسب لصناعه باعتماده على وجوه شابة حجزت اسمها أكثر من أي موسم مضى بين مصاف النجوم، مثل أحمد داش وعصام عمر.
الكوميديا المصرية: خطوة للأمام وخطوات للوراء.

على عكس باقي الأعمال الدرامية، لم يكن حصاد الكوميديا إيجابياً بشكل كبير.
ولعل الإخفاق كان ملازماً للكبير قوي (تأليف مصطفى صقر ومحمد عز الدين، إخراج أحمد الجندي).
وخلافاً للمواسم السابقة، لم تكن المواقف التي يصنعها أحمد مكي بشخصياته الثلاث (الكبير وجوني وحزلقوم) مثيرة للضحك. والإفيهات التي يتكئ عليها من حكايات أو أعمال ووقائع نعيشها لم تشفع له بتقديم عمل يشابه المواسم السابقة. ليخرج العمل بشكل كرتوني وممل للغاية.

مسلسل فراولة
مسلسل فراولة

إخفاق مماثل تعرضت له نيللي كريم في “فراولة” (تأليف محمد سليمان عبد المالك، إخراج محمد علي).
فالنجمة التي تسعى للابتعاد عن السوداوية والمرارة التي تظهر في أعمالها لم تتمكن من قلب المعادلة عندما طرقت أبواب الكوميديا.
فجاءت الحكاية بعيدة عن ابتكار أو حوادث ومفارقات عفوية،
بقدر ما بدت في اصطناع لم تتمكن بطلته ولا شريكتها في الأداء شيماء سيف من حمله فخرج من المنافسة بشكل لافت.

في المقابل، شهد هذا الموسم أعمالاً كوميدية اتبعت نهج ال١٥ حلقة واتكأت على نجاحات سابقة،
مثل “كامل العدد +١” (تأليف رنا أبو الريش ويسر طاهر، إخراج خالد الحلفاوي).
فيقدم العمل قصة عائلة بعدد كبير من الأبناء، لكل منهم حكايته ومواقفه الطريفة،
بقالب بعيد عن أسلوب الوعظ أو الإفيهات المبالغ بها.

فيما قدم “أشغال شقة” (تأليف وإخراج خالد دياب) أول تجربة مستقلة لهشام ماجد،
بعيداً عن شريكه في الأعمال السابقة شيكو.
فذهب العمل لقصة خفيفة عن طبيب ومذيعة يعانيان من تربية أولادهما بظل الأشغال اليومية،
فيستعينان بعاملة منزلية. فتبرز المواقف بشكل عفوي، دون الافراط بالهزلية أو إثارة الضحك بدون مبرر مقنع للمشهد.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة