جوى للانتاج الفني
الرئيسيةالدراما العربية ..في البال يا فلسطين

الدراما العربية ..في البال يا فلسطين

لم تكن فلسطين بلداً جاراً يعاني سلب حقوقه منذ الأربعينات فحسب، فهي ملح أقلامنا والدرس الذي تجاوز الكتب إلى الحياة اليومية.
هي الحاضرة في كل تفصيل مهما علا أو صغر حجمه، لتتجسد كلمة وصورة ورواية وقصة تترجم عبر الشاشات في مختلف العقود.
ولأن الفن يتجاوز بمراحل كثيرة حالة المتعة والتسلية لتقديم مضامين عميقة تؤكد على حق فلسطين وأرضها وشعبها الذي لا ينطفئ،
فهي ليست (ترند) يحضر في موسم ويغيب بآخر، بل هي الضيف شبه الدائم في الدراما وعلى الشاشات بحصيلة، عنوانها التميز.

هكذا سجلت العديد من الأعمال الدرامية حضوراً متفاوتاً للقضية الفلسطينية باعتبارها الشغل الشاغل للشارع العربي.  العام 1981،
ظهر أول مسلسل يذهب بعمق للتاريخ الفلسطيني مع مسلسل “عز الدين القسام”
(تأليف أحمد دحبور، إخراج هيثم حقي). توالت الإنتاجات التي حملت الطابع السوري في غالبها،
مثل “نهارات الدفلى” (تأليف فواز عيد، إخراج محمد زاهر سليمان، إنتاج 1995).
فيما شهد عقد الألفية الأول تصاعدًا في الأعمال التي تمحورت حول القضية بمختلف تفاصيلها،
سواء بالاتكال على الرواية أو إنجاز دراما تعتمد على الوقائع التاريخية لتسقطها على قصص العائلات المهجرة.
وحتى رصد تحولات المجتمع من خلال سيرة أعلام فلسطينية رفعت اسم بلادها بمختلف المجالات.

عائد إلى حيفا … رواية الإنسان والقضية

عائد-الى-حيفا
عائد-الى-حيفا

قد يكون هذا العمل الوحيد في سياق الدراما المرتبطة بفلسطين الذي يتكئ على عمل أدبي منجز، فهو مستوحى من رواية “غسان كنفاني” التي تحمل نفس الاسم.
وعلى الرغم من تقديمها سابقاً في السينما، إلا أن التجسيد الدرامي لها جاء في عام 2004 بسيناريو “غسان نزال” وإخراج “باسل الخطيب”.

 يذهب العمل إلى تصوير نكبة الفلسطينيين يوم احتلت العصابات الصهيونية بيوتهم وطردتهم
لتبدأ رحلة النزوح لسعيد (سلوم حداد) وزوجته صفية (نورمان أسعد) التي لم يفصل بينها وبين رضيعها سوى أمتار قليلة
حال دونها الرصاص وهستيريا العصابات ما اضطرهما لترك ابنهما الرضيع خلدون في حيفا وقد باتت في قبضة المهاجرين الجدد وكيانهم
قبل أن تنجح أسرة منهم بالاستيلاء على البيت والطفل وتحويله لهوية جديدة،
فلا يتعرف على ذويه وأرضه بل يتجه لقتال أبناء جلدته. ففلسطين أكبر من هوية بقدر ما هي الانتماء للأرض والذاكرة والتاريخ.

 صدمة سعيد وصفية حين ينجحان بالعودة ليتفاجآ بخلدون الشاب في جيش الاحتلال.
ولعل المسلسل قد سجل قيمة مضافة لصناع الدراما ستوجههم أكثر نحو صياغة التفاصيل الفلسطينية بعناية في السنوات اللاحقة.
فالعمل تم تصويره في مدينة صافتيا، فظهرت تفاصيل البيوت والشوارع والبحر أقرب لمشهد حيفا المنكوبة في الثمانية والأربعين من القرن الماضي.
يضاف لذلك مقاربة اللكنة الفلسطينية لتكون مفهومة للجمهور العربي.

التغريبة الفلسطينية   …رحلة النزوح المغمسة بالدم

التغريبة-الفلسطينية
التغريبة-الفلسطينية

تشاء الصدف ربما أن ينتج في عام 2004 عملان يحتفيان بالقضية الفلسطينية، فبالإضافة إلى “عائد إلى حيفا”،
كانت “التغريبة الفلسطينية” (تأليف وليد سيف، إخراج حاتم علي) لتجسد حالة الفلسطينيين منذ الثلاثينات
والصراع ضد الاحتلال الإنكليزي وصولاً إلى نشأة الكيان الإسرائيلي والنزوح للمخيمات التي سيهاجرونها مجددًا.
تروي القصة حكاية الجد والابن والحفيد وكيف انتشر أحفاد كنعان في بلاد مختلفة، يحمل كل منهم هوى بلاده وهم التهجير الذي عاناه كل منهم بطريقة مختلفة.

وبخلاف كل الأعمال التي تناولت القضية الفلسطينية، لم تنطلق الأحداث من مدينة أو قرية محددة، بل اكتفى المسلسل بعبارة “قرية فلسطينية. هكذا سنتعرف على عائلة اليونس بصوت الرواي علي (تيم حسن) من الجد أبو أحمد (خالد تاجا) لأبناءه ومقاومة الإنكليز وإصرارهم على التعلم كحال علي، وصولًا للنكبة وتهجير الأسرة لتتكرر حالة فقد الأولاد يوم فقدت خضرة (نادين سلامة) ابنها رشدي (حاتم علي) قبل أن يشب الطفل ويحمل بندقية أعمامه، مواصلاً المقاومة حتى بعد تهجيرهم من المخيم إثر نكسة 1967.

ولعل السردية القصصية هذه المرة ترافقت برؤية بصرية مبتكرة نجح في إدارتها بالإضافة لحاتم علي مدير التصوير سامر الزيات، حيث دارت الكاميرا في بلدات على طريق دمشق حمص بالتزامن مع أداء يتقن اللكنة الفلسطينية سواء من الممثلين السوريين أو الفلسطينيين والأردنيين، مثل جولييت عواد وحسن عويتي.

الاجتياح … الذاكرة القريبة

الاجتياح
الاجتياح

قد يكون هذا المسلسل أول إنتاج عربي مشترك يروي واقع فلسطين. وخلافاً لغالبية الأعمال التي تناولت القضية الفلسطينية،
كان “الاجتياح” (تأليف رياض سيف، إخراج شوقي الماجري، إنتاج 2007) الأقرب لحدث شاهده وعاشه الجيل الجديد من اقتحام قوات الاحتلال لمخيم جنين ورام الله وحصار مقر الرئيس الراحل “ياسر عرفات” وصولاً لحصار كنيسة المهد ببيت لحم ربيع عام 2002.
لقد خلق هذا العمل حالة تظهر تكاتف الشارع الفلسطيني في مدن الضفة الغربية والتعاطي بمختلف فئاتهم مع الاحتلال،
حيث تتحول حياتهم لجحيم يومي لا يمكن التعايش معه وصولاً لاستبسال أبناء جنين وقتالهم حتى النفس الأخير. هنا لم تكن الحكاية من زمن النكبة بقدر ما كانت حدثًا وقع قبل خمس سنوات فقط من إنتاج المسلسل.
وكأنه رسالة أن المعاناة لا تسقط بالتقادم كهكا بلغ جنون الاحتلال.

ولعل العمل الذي صور جزءًا منه في دمشق وريفها قد كان الأكثر ظلمًا لفرص العرض، فلم تعرضه سوى قناة واحدة في موسم رمضان آنذاك قبل أن يصل لجائزة إيمي الدولية للمسلسلات الطويلة،
دون أن يشفع له ذلك بالخروج من الأدرج لشاشات العرض، على الرغم من تميز المشهدية البصرية وإخراج المعارك بصورة لافتة وأداء الممثلين السوريين والأردنيين،
خاصة “عباس النوري، صبا مبارك، منذر رياحنة، إياد نصار ونادرة عمران.” وبالحديث عن الإنتاج المشترك لا يمكن تجاهل “أنا القدس” (تأليف تليد وباسل الخطيب ، إخراج باسل الخطيب إنتاج ٢٠١٠)
الذي سلط الضوء على القدس و شخصياتها الأدبية والفكرية منذ زمن الانتداب البريطاني .

السيرة الذاتية بوابة للحكاية الفلسطينية.

 في دراما السيرة الذاتية التي تستعرض قصة حياة أشخاص مؤثرين في مجتمعاتهم، كثيرًا ما كانت الحكاية بوابة لرصد التحولات والعلاقات الاجتماعية في بلد الشخص المؤثر وارتباطه بتاريخ الوطن.
ولم تشذ السير الذاتية لأعلام أثروا القضية الفلسطينية عن هذه الحالة، لتبرز  أعمال  مثل   “في حضرة الغياب” (تأليف حسن م. يوسف، إخراج نجدت أنزور، إنتاج 2011)،
و”حارس القدس” (تأليف حسن م. يوسف، إخراج باسل الخطيب، إنتاج 2020).

ففي  العمل الأول  تعود الحكاية لرحلة محمود درويش و التهجير من الجليل إلى لبنان، ثم التسلل مجددًا والعمل في الداخل ضمن أراضي الـ48، حيث يسطع اسم الشاعر   وينتقل رافعًا قضية فلسطين. ولا يشذ “حارس القدس” عن الحالة السابقة ، فعلى الرغم من أن المطران هيلاريون كبوتشي سوري الهوية والمنشأ، إلا أن ارتباطه الوثيق جاء بفلسطين في السبعينات ليرصد التضييق الممارس على رجال الدين وحالة الأسرى في سجون الاحتلال، وصولًا لتعمد إذلال المطران في كل الأشكال رغبةً بكسر شوكة الرجل الذي هرب للمقاومة بسيارته. ولعله العمل هو الوحيد الذي قارب القضية الفلسطينية من الداخل في تلك الفترة.

سحابة صيف ..هل يغدو السكر بديلاً للوطن؟

سحابة-صيف
سحابة-صيف

لم يتناول العمل “سحابة صيف” (تأليف إيمان السعيد، إخراج مروان بركات، إنتاج 2009) القضية الفلسطينية من الداخل بقدر ما قاربها لجهة النازحين وحلم العودة الذي لا بديل له.
فكان ذلك جزءًا من حكاية المسلسل الغارق في قصص المهجرين الفلسطينيين والعراقيين،
ضمن شخصية “ديب الهادي” (بسام كوسا) القادم من طبقة ارستقراطية لا يزال يعيش على أطلالها رغم التهجير والنزوح وفقدان ابنه.

ومع ذلك، ينسى الرجل النزق وصاحب المشاكل اليومية مع زوجته (سمر سامي) كل شيء حين يتعرض كرامته للإذلال.
فيعتبر أن السكر والعدس التي تمنحها له الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) هي بديل لوطنه الضائع وتعويضًا عن دم ابنه الشهيد.
بالنسبة لـديب، المعونة هذه هي إهانة لكرامة الفلسطيني، ويفضل البقاء في أحلامه عن أرض البيارات التي كانت تمتلكها عائلته، على أن يخفض رأسه ويقبل بالمساعدات.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة