جوى للانتاج الفني
الرئيسيةنقد تلفزيونيالدراما الخليجية صورة الواقع متأخرة قليلاً

الدراما الخليجية صورة الواقع متأخرة قليلاً

تشهد الدراما الخليجية هذه الأيام نهوضا لافتا مسنودة بما قدمته الأعمال السابقة

في كل بيت مراية..
إلا أن دول الخليج أهملت كثيرا تأمل صورتها دراميا حتى وقت قريب،
حيث اعتمدت في صناعة الدراما على ما تريد مشاهدته عن حيوات المجتمعات المجاورة كالمصرية والسورية،
حتى انها مولت تلك الانتاجات في عقدي الثمانينات وحتى أواسط التسعينات عن طريق مؤسسة الخليج للإنتاج الفني،
ولكن يبدو ان ادراك القائمين على الثقافة والفن في منطقة الخليج لأهمية الدراما التلفزيونية ورغبة أبناء تلك المنطقة في مشاهدة صورتهم مع الكثير من العوامل الأخرى دفعهم لإنتاج مسلسلات تصور مجتمعهم وتسد تلك الثغرة،
وكذلك لتصحيح الصورة النمطية التي تم تكريسها عبر عقود عن تلك المجتمعات النفطية التي تقدمهم على انهم بدو رحل على جمال وبخيام ممزقة مع الكثير من المال.
المتابع لما يكتب وينتج بوصفه دراما خليجية منذ سنوات لابد وانه سيلاحظ ان هناك الكثير يمكن ان يقال،
فثمة تحولات جذرية في إعادة الاعتبار للفن والفكر عموما تجعل ما ينتج من دراما تلفزيونية ليس مجرد نشاط ترفيهي بقدر ما هو سعي حقيقي للبحث عن صورة واقعية لما جرى في تلك المجتمعات فيما بات يعرف بالطفرة النفطية وارتداداتها اجتماعيا وثقافيا،
وما إذا كانت ستمتد إلى الجانب السياسي، وهذا الأخير سؤال معلق يتسرب في الكثير من المقالات والتحليلات التي يكتبها أبناء هذه المنطقة.
المتأمل لمشهد الإنتاج الدرامي منذ عقد تقريبا سيلاحظ ولا شك ان هناك جهدا واضحا لتلمس الطريق نحو دراما محلية خليجية وخصوصا في السعودية عبر سلسلة (طاش ما طاش) المديدة،
وكذلك العاصوف، اما في الكويت فالأمل كبير والطموح أكبر لأنه ثمة عمق درامي مستند الى مصدرين أساسيين وتأسيسيين في الوقت نفسه: وجود المعهد العالي للفنون المسرحية، وتطور الكتابة الدرامية المسرحية.
فالمعهد العالي نجح في استقطاب أساتذة التمثيل والإخراج من الدول العربية وخصوصا سورية ومصر ولبنان والعراق، وباستقطاب المواهب المتميزة من معظم دول الخليج وتم رفد الفن في الخليج بعشرات الفنانين الذين وجدوا مساحة للتعبير في المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون ستكون بأجيالها المتواكبة مصدرا للدراما التلفزيونية.
فسلسلة الدفعات (دفعة القاهرة. دفعة بيروت. دفعة لندن) التي يتم انتاجها منذ سنوات تقدم انموذجا حقيقيا لما يريد الفن ان يعكسه عن التحولات التي عاشتها منطقة الخليج، وثمة إفادة من تجارب الدراما المصرية (ليالي الحلمية) أو السورية (حمام القيشاني) بأجزائهما العديدة انطلاقا من كون هذين العملين قدما صورة عن التحولات التي عاشتها تلك المجتمعات عبر حكايات انسانية وعلاقات اجتماعية وتبدلات نفسية خلال فترات زمنية مفصلية في تاريخها. ففي دفعة القاهرة ،

الدراما-الخليجية

وكان عنوانه (القاهرة 56) ودفعة بيروت (الستينات أوائل السبعينات) دفعة لندن (التسعينات وما بعدها) يتم رصد النهضة التعليمية التي بدأت آنذاك بإرسال مجموعة من الطلاب والطالبات إلى مراكز العلم والنهضة والتطور ليساهموا بتحديث مجتمعاتهم،
هذا في الاطار العام لهذا المشروع ذي الرؤيا الممتدة عبر مؤلفته (هبة مشاري حمادي) وجهة الإنتاج (منصة شاهد) ومخرج واحد (السينمائي علي البحراني وحل محله محمد بكير المصري في دفعة لندن)
لكن ما شاهدناه هو مسلسل خليجي بلهجته وممثليه دون عرض للحياة في منطقة الخليج تلك الفترات باستثناء الحلقات الأولى لدفعة القاهرة،

الدراما-الخليجية

اما لاحقا فترك المشاهد ليتابع سوب اوبرا على النمط التركي (أماكن ووجوه جميلة وقصص سخيفة متكررة ولا تنتهي) ولم نشاهد أي حكاية او خط درامي للتحولات التي كانت تعيشها تلك المنطقة.
لكن ما يحسب للعمل هو انعكاس علاقة دول الخليج عبر أبنائها بالدول التي تعلموا فيها فالوفاء للمكان والاشتباك مع تاريخه القومي خصوصا القاهرة والعدوان الثلاثي 1956 وبيروت الجنة قبيل الحرب الاهلية والعلاقة مع الأحزاب والقوى السياسية آنذاك كالمد القومي والحركة الشيوعية في مصر وحركة القوميين العرب والأحزاب المتعددة في بيروت.

الدراما-الخليجية
الدراما-الخليجية

كل ذلك منح العمل مسحة من الحنين المفتقد لتلك الفترة.
وهذا ما يعكس حقيقة علاقة دول الخليج الناشئة آنذاك بالمنطقة العربية عموما قبل تغلغل عناصر الفرقة بدءا من احتلال الكويت وحتى احتلال بغداد.
وهناك العديد من الأعمال الأخرى التي نجحت في قراءة العلاقات الاجتماعية دون اعتبار الطفرة النفطية عاملا تغييرا كسلسلة “طاش ما طاش” التي استقدمت مخرجين كثر لسلسلتها الكبيرة حيث تم رصد الإنسان والمكان في الخليج عموما والسعودية خصوصا في حياته اليومية والمفارقات الدرامية بواقعية لافتة وأدارها الفنانان ناصر القصبي وعبدالله السدحان، ووصلت حلقاته الى 550.
اما العمل الأهم الذي يرصد التطورات التي جرت للمنطقة فهو مسلسل العاصوف بأجزائه الثلاثة من تأليف عبدالرحمن الوبلي وإخراج المثنى صبح وبطولة القصبي وعبدالله السناني وريم عبدالله. فمن خلال قصة تبني طفل لقيط، بما يعنيه من كائن مجهول الجذور له الحق في الحياة، نتابع العلاقات الاجتماعية والإنسانية والدينية وما جرى لمدينة الرياض خلال بضعة عقود، ابتداء من ثلاثينيات القرن الماضي، وهذا ما يعكس صورة الانتقال والحياة في الجزيرة العربية قبيل وأثناء وما بعد عصر النفط.
وما يمكن رصده في الاعمال الخليجية لجهة الصورة هو انها اعتمدت في البداية على مخرجين سوريين (المثنى صبح، هشام شربتجي، باسل الخطيب، الليث حجو، سلوم حداد، عارف الطويل…) ومصريين (محمد بكير، جمال العدل…) وهذا ما ساهم في انتشار الاعمال حيث جاءت الصورة عموما مميزة بكوادرها وبناء العناصر داخل المشهد، الأمر الذي جعل الدراما الخليجية تصطف إلى جوار شقيقاتها الدرامات العربية وخصوصا السورية والمصرية. وهذا الخيار وان كان في البدايات لترميم النقص في الكوادر إلا أنه حاليا هو خيار فني ابداعي للارتقاء بالمنتج عموما، دون ان نغفل ان هناك عددا من المخرجين الخليجيين الذين سعوا باجتهاد ليكونوا على مستوى مميز.
وهذه الأيام تشهد الدراما الخليجية نهوضا لافتا مسنودة بما قدمته الأعمال السابقة وشكلت دافعا قويا لتبني رؤيا أوسع لاحتضان الإنتاج الفني وتحفيزه عبر هيئة الترفيه التي استقطبت مهرجانات سينمائية ونجوما عرب وعالميين، وكذلك وجود منصات تتبنى أعمالا ذات سوية مرتفعة ومنافسة عالمية أحيانا كمنصة شاهد او شاشة، وبالتالي تكون الدراما قد وضعت على السكة الأسرع لتقديم صورة عن الحياة في تغيرها من مرحلة النفط الطارئ الى التنمية المستمرة، لكن ثمة معوقات يلحظها كل من يتعمق في الدراما الخليجية ألا وهي الرقابة التي لم تتخل بعد عن عقلية الإملاء والقص والحذف بوصفها “حارسا” للمجتمع، وان نجحت العديد من الاعمال في مناوشة تلك الحدود موسعة الهامش أكثر من فترة الثمانينات والتسعينات الا انها لا تزال أقل في التصدي لقضايا إشكالية تشغل حصة كبرى في تطور المجتمع كقضايا المرأة والحريات السياسية مثلا.
وإذا كان النفط هو ما أشعل منطقة الخليج لتكون مركزا اقتصاديا للعالم، فإن الدراما الخليجية، وبعد مسيرة عقود من الحبو ومحاولات النهوض قبل هذه الفترة، باتت تحمل بذور إكساء هذا المركز بالفن الذي يعكس الصورة المأمولة لمجتمع هو صورة عن مسيرة بطل درامي عانى قبل أن تأتيه الثروة وخاض الفشل إلى أن يصل إلى هدفه ويشهد ولادة سلالته والتي نأمل ألا تكون قيصرية أو أن تكون سبيعية.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة