جوى للانتاج الفني
الرئيسيةقضيةالدراما أيضاً سبب في التغير المناخي!

الدراما أيضاً سبب في التغير المناخي!

إنتاج حلقة واحدة يطلق 15 طناً من ثاني أوكسيد الكربون

في فيلمها الأخير الذي صورته العام الفائت، قررت صانعة الأفلام الوثائقية المصرية، فتحية السيسي، أن تخوض تحدياً مع نفسها كي تنتج العمل بأقل تكلفة ممكنة، والقصد هنا ليس فقط التكاليف المادية، وإنما أيضاً الأثر السلبي المحتمل على البيئة من حولها.

“وضعتُ في سيارتي الخاصة كل المعدات التي يمكن أن تلزمني للتصوير وتسجيل الصوت، وتنقلت بها في خمس محافظات مصرية بعد تنسيق مسبق مع الشخصيات. حرصتُ على التخفيف من التنقلات واستهلاك الوقود، وتقليل استخدام الإضاءة عن طريق التصوير خلال النهار لأستفيد من الضوء الطبيعي قدر الإمكان، إلى جانب إجراءات أخرى جعلتني أنهي الفيلم بأقل إمكانيات وأقل ضرر وهدر”.

الدراما و التغيير المناخي
الدراما و التغيير المناخي

وتضيف في حوار مع “فن وناس”: “صرت أتبع هذه الممارسات على الدوام في كل أعمالي وأحصل منها على نتائج مُرضية فنياً”.
وفتحية السيسي هي خريجة كلية الإعلام بجامعة القاهرة عام 2015، وتعمل في مجال التصوير الصحافي والأفلام الوثائقية منذ عشرة أعوام. وبالطبع فإن الخيار الذي اتخذته الفنانة الشابة، أي العمل بطريقة “صديقة للبيئة”، ليس بالأمر السهل، خاصة في منطقتنا العربية التي تنتج كل عام مئات الساعات التلفزيونية والسينمائية ضمن أعمال بعضها يوصف بـ”الضخم” وبتكاليف تصل إلى ملايين الدولارات، ولا تخلو من هدر مختلف أنواع الموارد لأسباب شتى، تتعلق أحياناً بالجداول الزمنية المتاحة، وضعف أو غياب التنسيق المطلوب، أو ببساطة: عدم الاكتراث وغياب الثقافة الداعمة لفكرة الحفاظ على البيئة، كون الأمر “غير ذي أولوية”.

لكن الأصوات التي تنادي بأهمية الالتفات للضرر الذي تحدثه صناعة الدراما على البيئة، سواء في العالم أو على مستوى الوطن العربي، تعلو يوماً بعد آخر. وبالتأكيد لا تطالب هذه الأصوات بالتوقف عن إنتاج المسلسلات والأفلام، فلا أحد يمكنه أن يتخيل حياتنا اليوم من دون ما تقدمه لنا هذه الإنتاجات من متعة وفائدة، لكن السؤال المطروح: لماذا لا نفكر بأن نجعلها أقل تكلفة على البيئة؟ ولماذا لا تُتخذ إجراءات قد يكون بعضها بسيطاً ويخفف حتى من تكاليف الإنتاج بحد ذاتها، مثل الحرص على عدم هدر الأقمشة والطعام، والتخفيف من استهلاك البلاستيك ومن التنقلات، والتصوير بالاستفادة من الإضاءة الطبيعية، أو ما يطلق عليه عموماً مصطلح “الممارسات الخضراء”؟

تشير دراسات حديثة إلى أن الأثر البيئي لصناعة الأفلام “لا يُستهان به”، وإن كان بكل تأكيد أقل من ذلك الذي تحدثه الصناعات الثقيلة وقطع الغابات واستخدام وسائل النقل وإنتاج الغذاء، وهي من أكثر القطاعات تسبباً في التلوث وانبعاثات الغازات المساهمة في ظاهرة التغير المناخي.

على سبيل المثال، تتحدث صحيفة “الغارديان” في تقرير نشرته عام 2020 عن أن الأفلام ذات الميزانيات الضخمة، والتي تتجاوز 70 مليون دولاراً، تتسبب في انبعاث قرابة 2800 طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو، وهي كمية تحتاج إلى عام كامل كي تمتصها أشجار مزروعة على مساحة 3700 هكتار. ووفق تقرير صادر عن “تحالف الإنتاج المستدام” عام 2021، فإن الفيلم المتوسط الميزانية ينتج قرابة 770 طناً من الكربون، وللمقارنة فإن السيارة المتوسطة الحجم تنتج سنوياً 4.6 طناً، أي أن إنتاج ذلك الفيلم يتسبب بانبعاثات ضارة أكثر مما تسببه تلك السيارة على مدار سنة بمئة وستين مرة. ومع كل عمل درامي جديد، تَنتُج أطنان من النفايات ما بين قوارير المياه البلاستيكية والطعام الملقى في المهملات وبقايا الديكورات والملابس واللوازم المكتبية، وينتهي بها المطاف في الأراضي والتربة ومياه البحار والمحيطات، دون إمكانية أو تفكير بالطريقة الأنسب لمعالجتها.
يساهم كل ذلك كمحصلة في زيادة مستويات التلوث، وتسريع وتيرة التغير المناخي الذي يقلق اليوم عالمنا بأسره، إذ بتنا نرى نتائجه الواضحة على حياتنا اليومية، من ارتفاع درجات الحرارة وتغيّر مواسم سقوط الأمطار، والجفاف والفيضانات وحرائق الغابات، وغيرها من الظواهر التي تؤثر يوماً بعد آخر على جودة ونوعية وقابلية استمرار الحياة على كوكبنا.

مولدات ونفايات

من خلال مجموعة لقاءات استطلاعية أجرتها “فن وناس” مع عدد من العاملين في مجال الدراما في المنطقة العربية وخصوصاً سورية، يتضح هذا الأثر البيئي الذي يتخذ أحياناً صورة “خطيرة” إن صح التعبير، ضمن معظم خطوات الإنتاج الدرامي، بدءاً من التحضير والتنفيذ وصولاً حتى لما بعد إكمال الأعمال وعرضها على الشاشات.
أولى هذه الظواهر السلبية يمكن أن نراها عند وضع الجداول الزمنية للتصوير، وجزء منها يكون ضيقاً للغاية ولا تتوفر فيه المساحات المطلوبة للعمل بتأنٍ، لأسباب تتعلق برغبة الجهات الإنتاجية باختصار عدد أيام العمل وبالتالي التكاليف، وبكون بعض النصوص غير مشغولٍ بإتقان ويتطلب الكثير من التعديلات.
هنا يصبح الهدر “ضرورة” لا يمكن تجاوزها، فعوضاً عن خطة استطلاع واضحة ومحددة لأماكن التصوير، ثم الدخول لموقع واحد والانتهاء من تنفيذ كل المشاهد المطلوبة داخله قبل الانتقال للموقع التالي، يتحول الأمر إلى تنقل مستمر بين المواقع لتسليم مشاهد أو حلقات بعينها، ويعني ذلك الاضطرار لتركيب وفك الديكورات نفسها أكثر من مرة، وتحديداً ضمن المواقع العامة وليس استديوهات التصوير، وبالتالي هدر كميات إضافية من المواد التي يكون كثير منها غير صديق للبيئة مثل البلاستيك والطلاء؛ وأيضاً تنقلات متكررة من وإلى تلك المواقع وبعضها يكون بعيداً عن مراكز المدن، أي صرف كميات إضافية من الوقود، خاصة وأننا نتحدث عن أعداد كبيرة جداً من السيارات، بعضها فردية تنقل شخصاً واحداً فقط، وأخرى عبارة عن شاحنات تنقل المعدات والإكسسوارات والديكورات.
من جهة ثانية، فإن كميات النفايات الناتجة عن أيام التحضير ومن ثم تصوير الأعمال الدرامية، تشكل هي أيضاً عاملاً آخر لا بد من أخذه بالحسبان، سواء كنا نتحدث عن بقايا الديكورات أو عن المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، مثل عبوات المياه وأكواب القهوة والشاي وصحون الطعام وغيرها. هنا يشير البعض إلى أن أعداداً “هائلة” من أكياس النفايات تخرج كل يوم من مواقع التصوير، معظمها دون فرز، وإن كان الأمر “شراً لا بد منه”، إلا أن التخفيف من هذه الكميات لا يبدو بأنه يقع ضمن نطاق اهتمام معظم العاملين في المجال، سواء عن طريق التفكير بحلول بديلة لتناول الطعام وتوزيع المياه، أو من خلال نشر ثقافة التخفيف من استهلاك تلك المواد الضارة بالبيئة بين كوادر العمل على اختلاف تخصصاتها.
ولا يمكن أيضاً إغفال الحديث عن الاستهلاك الكبير للطاقة ضمن مواقع التصوير، ومعظمها يستعين على مدار الساعة بمولدة كهرباء كبيرة واحدة على الأقل وأحياناً اثنتين، لضمان عدم انقطاع التيار الكهربائي أو تعطله، خاصة في البلدان التي تعاني من ساعات تقنين طويلة مثل سورية. ووسطياً، تحتاج المولدة الواحدة إلى حرق 7 ليترات من المازوت (الوقود) كل ساعة، أي قرابة مئة ليتر ليوم التصوير الواحد.
جميع هذه العوامل والممارسات تؤثر دون شك على البيئة وعلى مواقع التصوير بحد ذاتها، حتى أن البعض يشيرون إلى رفضهم وعدم رغبتهم بأن تتحول مناطق سكنهم إلى وجهة لتصوير أي أعمال درامية، نتيجة تخوفهم مما ستتركه تلك العمليات من نفايات وحتى تخريب لا تمحى آثاره بسهولة، أو تحولها في مرحلة ما بعد التصوير وعرض الأعمال على الشاشات إلى “وجهات سياحية” يرغب الناس بزيارتها، لكن مع غياب أي قوانين وضوابط بيئية، ما يجعلها تتعرض للأذى والتشويه وتدمير البيئة ومكوّناتها على المدى الطويل.

إجراءات “جزئية”

وفي زيارة لبعض مواقع تصوير المسلسلات السورية التي عرضت في الموسم الرمضاني الأخير، لا يبدو بأن أي إجراءات بيئية أو خضراء محددة وواضحة تلقى بالاً لدى كوادر العاملين، رغم أن بعض الخطوات المتعلقة بتخفيف الهدر تتبع في بعض الأحيان، سواء لأسباب اقتصادية أو بيئية.
ومن داخل أحد مواقع تصوير مسلسل “خريف عمر” في حي المزة غرب دمشق، يتحدث مدير إدارة الإنتاج، فادي الزيبق، عن التفاته لبعض تلك الإجراءات والحلول، رغم أن الأمر ليس سهلاً على الدوام. ويشرح لـ “فن وناس” ضارباً مثالاً بسيطاً: “لدينا مشكلة هائلة وهي أننا كل يوم نستهلك ما بين ثلاثين إلى خمس وثلاثين صندوقاً من عبوات المياه البلاستيكية الفردية وعشرات الكاسات المصنوعة من الكرتون، ونحاول عند الإمكان جمعها وتوصيلها بشكل دوري لجهات تعمل على إعادة تدوير هذه المواد. وبالنسبة لوجبات الطعام الفائضة والتي تبقى بحالة جيدة، خاصة تلك المستخدمة كإكسسوار ضمن المشاهد، فنتبرع بها لجمعيات تهتم بتوزيعها”. ويشير إلى صعوبة اتخاذ بدائل مثل وضع مستوعبات مياه كبيرة للاستخدام الجماعي، وهو أمر لم يعد مرغوباً كثيراً بعد فترة انتشار فيروس كورونا والمحاذير الصحية التي رافقتها.
المشكلة الأكبر تكمن، وفق حديث الزيبق، في الهدر الذي يحدث في مرحلة “التصنيع” أي ما قبل التصوير، أثناء تجهيز المشاهد والديكورات، فتُرمى في مكبات النفايات بقايا مواد مثل الفلين (أو الستريوبور) والخشب والنايلون والبلاستيك والأشرطة اللاصقة وغيرها، لعدم وجود آلية واضحة للتخلص أو الاستفادة منها، ويتم الاحتفاظ بتجهيزات أخرى يمكن أن تكون قابلة لإعادة الاستخدام، مثل أقمشة الكروما التي يمكن أن تخزّن من موسم لآخر منعاً للهدر، لكن درجة الاستفادة هذه تعتمد على مدى تجهيز استديوهات التصوير، وقابلية فرز المخلفات في كل المراحل التي تتطلبها، وهو أمر غير متاح في معظم أماكن التصوير في سورية اليوم، وحتى في البلد ككل والذي تغيب عنه عموماً ثقافة الفرز.
يرى الزيبق، الذي يعمل في إدارة الإنتاج منذ عام 2001، بأن بعض العاملين في مجال الدراما في سورية لديهم اهتمام بالنواحي الاقتصادية وكذلك البيئية أثناء العمل والتصوير، ويقول في هذا الصدد: “نحاول أن نرسم مخططاً واضحاً لحركة السيارات والآليات لتجنب هدر الوقود، ونستخدم تقنيات الإضاءة الباردة التي تخفف من فاتورة الطاقة. إلى جانب ذلك نسعى لعدم إيذاء البيئة المحيطة قدر الإمكان، فإن كنا نصوّر ضمن مناطق طبيعية لا نتعدى عليها بل نستفيد منها ويمكن أن نغنيها بمزيد من العناصر كزرع الأشجار والنباتات”.
هذا الاهتمام دون شك، وعلى أهميته، تنقصه إجراءات أعم على المستويات العليا، وإدارة بيئية “صارمة” وقوانين داعمة وناظمة، تحرص على تخفيض “البصمة الكربونية” الناتجة عن هذا القطاع، ويقصد بهذا المصطلح “كمية غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن نشاط ما سواء كان فردياً أو اقتصادياً”، وهي أداة باتت مستخدمة على نطاق واسع لقياس مدى مساهمة أي شخص أو نشاط في تغير المناخ والسعي لتقليل هذه المساهمة وتالياً حماية البيئة.

صناعة الملابس “الملوِّثة”

إلى جانب كل التفاصيل الفنية سابقة الذكر، يبرز موضوع الملابس المستخدمة في الدراما كأحد العناصر ذات البصمة الكربونية العالية أيضاً.
ضمن هذا السياق، وفي حديثها لـ “فن وناس”، تشير مصممة الأزياء السورية رجاء مخلوف إلى معايير عدة تحكم عملها، ابتداء من دراسة النص وتفاصيل السيناريو والمرحلة التاريخية التي يتناولها، وتالياً الملابس التي كانت شائعة في تلك المرحلة، ومروراً بالإمكانيات المتاحة في الأسواق التي تعمل ضمنها، وصولاً للسعي إلى احترام البيئة المحيطة من خلال إعادة تدوير الأقمشة وعدم الهدر قدر الإمكان.
تقول مخلوف، وهي خرّيجة قسم التصميم Esmod في مدرسة الأزياء الفرنسية وكلية الأدب الفرنسي: “بالطبع فإن العوامل الإنتاجية هي المتحكم الأساسي في خياراتنا بالنسبة للملابس، فهناك جهات إنتاجية لا تتيح لنا كميات كبيرة تكفي كل المسلسل، وهنا أكون مضطرة لإعادة تدوير بعض المواد كي أستفيد منها ضمن أكثر من مشهد من خلال بعض الإضافات والتعديلات، وهناك جهات أخرى تتيح ميزانيات ضخمة تسمح لنا بخيارات أوسع”.
وتضيف، ضمن هذه النقطة، بأن مفهوم الحفاظ على الموارد وإعادة التدوير يتعلق بشكل كبير بالثقافة العامة السائدة: “ضمن حياتي اليومية أنا ضد الهدر، فالأشياء التي لا أحتاجها ويمكن أن أتخلص منها قد تكون مفيدة لغيري، وينسحب هذا الأمر على عملي بالضرورة، فأسعى إلى التقليل من استهلاك الأقمشة من خلال التحايل والعمل بأقل التكاليف والخسائر مع الحرص على الصورة الجيدة واللائقة المقنعة لي، إلى جانب محاولة أن تكون هذه الملابس قابلة لإعادة الاستخدام حتى في المواسم القادمة وضمن أعمال أخرى خاصة إذا كانت من نفس المرحلة التاريخية”.
مخلوف التي عملت خلال الموسم الرمضاني الأخير بتصميم ملابس مسلسل “الزند – ذئب العاصي”، ولديها سجل طويل في تصميم أزياء مسلسلات تاريخية واجتماعية وأفلام سينمائية، لا تغفل عن الضرر البيئي الكبير الذي تسببه صناعة الأزياء على مستوى العالم، فهي “من أكثر الصناعات تلويثاً للبيئة وهدراً للموارد، خاصة عندما نتحدث عن دور الأزياء العالمية التي تتسبب بتلوث كبير في البلدان التي تضم معاملها وهي على الأغلب من بلدان العالم الثالث مثل بنغلاديش وباكستان وماليزيا وإندونيسيا..”.
وجدير بالذكر أن صناعة الملابس عالمياً تساهم بقرابة 10 في المئة من إجمالي الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتستهلك طاقة أكثر مما يستهلكه قطاعا الطيران والنقل البحري، ومياهاً نظيفة بمقدار 93 مليار متر مكعب سنوياً، وتنتج قرابة 20 في المئة من مياه الصرف على مستوى الكوكب بأسره.

نشر الوعي

بالنسبة للبعض، ومنهم صانعة الأفلام فتحية السيسي، لا يقتصر نشر الوعي بأهمية حماية البيئة ومنع تدهورها على الحديث عن ممارسات خضراء يجب اتباعها في عمليات الإنتاج الدرامي، وإنما يتعداه لصنع محتوى داعم لهذه القضية، ويسعى لتشجيع المشاهدين والجمهور ليكونوا جزءاً من التغيير المطلوب بما يخص الكوارث البيئية التي يعيشها العالم اليوم.
تقول: “بدأ اهتمامي بالمواضيع البيئية عام 2019 إثر مشاركتي بحملة “بلاستيك بح” مع منظمة جرينش المصرية بهدف جمع المخلفات البلاستيكية من المياه والتوعية بخطورتها. فعلياً لم أكن قبلها على إدراك تام للعديد من المفاهيم التي قد تكون بسيطة، مثل أن مجرد إلقاء كيس في المياه سيؤثر علينا على المدى البعيد، فالمواد السامة فيه ستنتقل إلى الأسماك ومنها إلينا. حينها صرت أعي ما الذي تعنيه البيئة وما هي مخاطر التلوث الذي يؤثر على كل ما حولنا كالبحار والمحيطات والهواء، وأيضاً كيف يمكننا الحد من ذلك بإجراءات مثل إعادة التدوير، وبدأت بصناعة أفلام عن مفاهيم بيئية مثل مخاطر البلاستيك والمخلفات”.
وتقرّ المخرجة بأن الاهتمام بالنواحي البيئية ضمن الأعمال الفنية يمكن أن يكون بدوره مكلفاً للبيئة أيضاً، وذلك حسب ظروف وأماكن التصوير، فيمكن أن يضطر صناع الأفلام البيئية لقضاء أوقات طويلة للتجهيز والتصوير كي يحصلوا على النتائج المرغوبة ضمن أماكن طبيعية معينة، وبالتالي ينتجون المزيد من المخلفات ويستهلكون المزيد من الطاقة والوقود والمواد الضارة، “فحتى لو حاولنا الاهتمام بجانب معين قد نضرّ جوانب أخرى”، مؤكدة ضرورة أخذ هذه الجوانب بعين الاعتبار والتقليل منها قدر الإمكان سواء كان الإنتاج عن مواضيع بيئية أو غيرها.
الإنتاجات الفنية البيئية قليلة جداً في العالم العربي، إذ إنه موضوع لم يسلط الضوء عليه بعد بالشكل المطلوب، وتشجّع السيسي صناع الأفلام على خوض هذه التجربة وزيادة معرفتهم حول البيئة والمخاطر المحدقة بها، والاهتمام بشكل خاص بالأعمال الموجهة للأطفال لتوعيتهم منذ الصغر حول المفاهيم البيئية ليكونوا مهتمين بالأمر والتحرك إزاءه في مراحل حياتهم اللاحقة.

دليل لصناعة خضراء

منذ ست سنوات، ومن أبو ظبي، انطلقت “غرينرسكرين GreenerScreen” وهي شركة اجتماعية تهدف لمساعدة صنّاع الأفلام في إنتاجاتهم لتكون مراعية لمعايير الحفاظ على البيئة، وأصدرت بالتعاون مع مجموعة من الشركاء دليلاً أخضر يقدّم حلولاً بيئية يمكن اعتمادها في الإنتاجات الفنية.
وعن هذا الدليل والحلول يتحدث لـ “فن وناس” بسام الأسعد، وهو منتج واستشاري إنتاج صديق للبيئة ومؤسس مشارك لـ”غرينرسكرين”، مشيراً إلى أن التحول البيئي في صناعة الأفلام يمكن أن يبدأ بخطوات بسيطة ويتطور بشكل تدريجي حسب الحلول الموجودة، “والأهم على الإطلاق التخطيط ثم التخطيط، كي يفهم صناع الأفلام ما هي العمليات الأكثر تسبباً بالتلوث والبصمة الكربونية وبالتالي ما هي البدائل لتخفيضها، وفي حال كان استبدالها سيؤثر سلباً على العملية الإبداعية، يمكن وضع خطة لتعويض ما تنتجه من انبعاثات بالتعاون مع جمعيات بيئية موثوقة”.
ومن الخطوات التي يتضمنها الدليل: عمل خطط للتنقلات، ولإعادة استخدام الديكورات والملابس ولمولدات الطاقة واستخدام مصادر طاقة نظيفة مثل ضوء الشمس، وربما من أبسط الإجراءات استبدال قوارير المياه ذات الاستخدام الواحد بعبوات ذات استخدام متعدد مع وحدات إعادة تعبئة، وتخفيف اللحوم التي يساهم إنتاجها بزيادة التلوث عالمياً، واستبدالها بخيارات نباتية. وهنا يضيف الأسعد ممازحاً: “ماله البرغل والفريكة وحراق إصبعه؟”.
ولا يقتصر عمل “غرينرسكرين” على ذلك، فهناك محور آخر يتضمن العمل مع المؤسسات المنظمة لقطاعات الإنتاج الفني مثل الهيئات الرسمية، لدمج التقليل من البصمة الكربونية ضمن قوانين الإنتاج، “ليصبح جزءاً أساسياً لا يحتاج للإقناع” وفق تعبير الأسعد، ويتابع بأن المحور الأهم هو العمل مع الكتاب والمبدعين لتضمين المحتوى البيئي في الأعمال الترفيهية بشكل سلس، ليصل للمشاهد ويعمل على تغيير بعض السلوكيات اليومية.
ورغم أن البصمة الكربونية لعالم صناعة الأفلام والمسلسلات عالية جداً كما يشير المتحدث، إذ إن إنتاج حلقة واحدة قد يسبب انبعاث ما بين 4 إلى 15 طناً من ثاني أوكسيد الكربون مع الاستخدام المكثف للمواد والإضاءة والتنقلات بهدف الحصول على صور عالية الجودة تبهر المشاهد، لا يوجد بعد الوعي الكافي في عالمنا العربي بخصوص التكلفة البيئية لهذه الصناعة، فهناك أولويات أخرى مثل التسليم على الوقت، أو الاستمرار بالتنفيذ بالطرق التقليدية، مع أن الطرق البيئية يمكنها التوفير بالميزانيات في نهاية الإنتاج. ويضيف الأسعد بأن “رفع الوعي بهذا الخصوص يتطلب فرض قوانين من قبل هيئات التنظيم أو حتى القنوات التي تشتري الأعمال، كي تضع شروطاً أبسطها فرض حساب البصمة الكربونية على الأقل بدون فرض أي تخفيض، بهدف نشر الوعي بالأثر البيئي كخطوة أولى، وهو أمر تفعله اليوم بعض القنوات البريطانية”.
وعن الإجراءات الممكنة، تتحدث أيضاً المصممة رجاء مخلوف عن “ضرورة وضع معايير جديدة وقوانين راعية لصناعة الدراما في العالم العربي، وفرض خطوات تسعى للاستفادة بأقصى إمكانية من الموارد المستخدمة ضمن أي مسلسل أو فيلم. بما يخص الملابس على سبيل المثال، من الضرورة الانتباه لتخزينها بطريقة لائقة كي لا تتلف وبالتالي تصبح هناك إمكانية إعادة استعمالها أو تأجيرها لأعمال أخرى، عوضاً عن هدر الأموال والطاقة والموارد البيئية كل مرة، وهو أمر لا تلقي جميع الجهات الإنتاجية آذاناً صاغية له على الدوام”.
بدوره يتحدث فادي الزيبق حول خطوات ينوي اتباعها في الأعمال القادمة التي سيشرف على إنتاجها، ومنها فرز النفايات بطريقة ممنهجة أكثر، والتنسيق مع الجهات المعنية بترحيلها بشكل دوري، ويختم بقوله: “أرى بأن الوعي الاقتصادي والبيئي ضمن هذه الصناعة يزداد تدريجياً، وبالتأكيد لا زال أمامنا الكثير من الخطوات التي يتعين علينا القيام بها في المستقبل”.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة