جوى للانتاج الفني
الرئيسيةنقد تلفزيونيالحشاشين.. طرح مهم بصورة مبسطة

الحشاشين.. طرح مهم بصورة مبسطة

محمود عبد اللطيف

 التقاطعات الكبرى في العمل السياسي وتسلق السلطة من خلال تطويع الفكر الديني لما يخدم مصلحة مؤسسي التيارات المتطرفة على اختلاف معتقداتها، هو الأساس في اختيار “الحشاشين”،
لتكون موضوعاً للعمل الذي كتبه “عبد الرحيم كمال”،
مستنداً إلى المصادر التاريخية والمرويات الاستشراقية التي كتبت حول هذه الفرقة..
شفهيات أتاحت له ليّ عنق الفكرة الدينية لتطويعها بكل سبل التوحش الممكنة لخدمة فردية مؤسس الحركة،
وهو “الحسن بن الصبّاح”،
ويترادف مع هذه الفكرة المهمة وجود علاقة صداقة مفترضة في هذه المرويات بين ثلاث من الشخصيات التي يمكن اعتبارها أنموذجاً تاريخياً لتمثيل التيارات،
ففي حين أن “نظام الملك”، كان من دهاة عصره في السياسة وإدارة البلاد بوصفه الوزير الأول للسلطنة السلوجقية، فإن “عمر الخيام”،
لم يكن شاعر الرباعيات التي يعرفها الجمهور العربي من غناء كوكب الشرق “أم كلثوم”، وحسب،
بل كان من أوائل الفلاسفة الذين طرحوا الوجودية والعدمية والعبث على طاولة التفكير، في حين أن “الصبّاح”،
أسس لمنهج يمكن القول أن كل اليمين المتطرف إسلامياً اعتمده،
إذ لم يكتف بـ التكفير النظري،
بل راح نحو ممارسته من خلال القتل، والتأسيس للعمليات الانتحارية التي ينفذها أتباعه،
ويمكن القول إن صنّاع الحشاشين حمّلوا عملهم مسؤولية تقديم الفرق المتطرفة مثل “القاعدة – داعش”،
وسواها من التنظيمات، بطريقة غير مباشرة،
فالنهج المعتمد لفرض العقائد والسياسة الخاصة بكل الفرق المتطرفة واحد، وإن اختلف المنهج.

خيار اللكنة

لم يكن خيار اللكنة المصرية لتكون منطوق الشخصيات في “الحشاشين”، اعتباطيا، أو محاولة اختطاف المسلسل التاريخي من الصورة المعهودة من حيث اعتماد اللغة العربية الفصحى، إلى “مصرنة التاريخي”،
بل يعود الأمر إلى رغبة جامحة بالتوجه إلى الجمهور المصري أولاً باعتبارها السوق الأكبر عربيا،
والشريحة المستهدفة من قبل صنّاع المسلسل الذي لا يمكن فصله عن مشروع المخرج الشاب “بيتر ميمي”،
في طرح صراع المصريين مع التنظيمات التكفيرية بدءا من مسلسل “الاختيار”، في أجزائه الثلاث.
ثم إن نطق الشخصيات باللكنة المصرية دفع الكاتب إلى ضرورة خلق حوارات تجمع بين العمق الفلسفي لكل من شخصيات “الصباح – الخيام – نظام الملك  – الغزالي” والبساطة بما يسهل على الحوار من الوصول إلى الجمهور ليقدم هذه الشخصيات بصورة مغايرة للنمطية التاريخية المعهودة،
فـ نظام الملك لم يكن مجرد وزير قاس وصارم، بل كان إنسانا يتملكه الخوف، كما إن الخيام لم يكن الشاعر الماجن كما تطرحه بعض المرويات، وأخرج العمل الإمام “أبو حامد الغزالي”، من إطار تكفيره للفلاسفة كما وقع في كتابه “المنقذ من الضلال”، وقدمه بصورة الفيلسوف التي يعرفه بها الكثير من المفكرين العرب والأوروبين، حتى أن الفيلسوف الفرنسي أرنست قال فيه “لم تنتج الفلسفة العربية فكراً مبتكراً كالغزالي”، وعلى هذا فإن المسلسل يقدم طرحاً جديداً لشخصيات نمطت تاريخياً.

وقد حملت الشارة جملة “من وحي التاريخ”، في إشارة من صناع العمل لكونهم لا يعتمدون رواية تاريخية حرفية، وهذا ما برر وجود شخصية مفترضة إلى جانب الحسن بن الصباح هي “زيد بن سيحون”، الذي جسد دوره الكوميديان المصري أحمد عيد،  العائد بعد غياب ثماني سنوات عن التمثيل، ليقدم شخصية مقسومة بين اللغة الفلسفية ومحاولة التحرر الذاتي من جهة، وبين التبعية السلطوية لـ الصبّاح بقصد الوصول إلى المكانة الرفيعة من جهة ثانية، الأمر الذي أفاد الشاشة العربية بممثل من طراز رفيع، وقد قدمت هذه الشخصية الشق الثاني من أتباع الحسن بن الصباح بكونهم ثلة من المستضعفين نتيجة تمسكهم بفكر ديني ما، وهؤلاء غالباً ما يكون من السهل تطويعهم لخدمة فكرة دينية ما، وزيد بن سيحون هو أول قاتل جنده الصبّاح في المسلسل، في حين أن الشق الأول من أتباع الصبّاح وهو الأكثر قوة، مثلته شخصية “برزك أوميد”، الشخص الذي وقع في فخ الفكرة وتأصيلها، وتحول لذراعها الضاربة، ثم إن التطور الطبيعي لمثل هذه الشخصيات أن تجد في ذاتها صاحبة الفضل في تطوير الفكرة والتاًصيل لوجودها، وهذا ما جعل من النهاية التي رسمها العمل منطقية، فأصحاب الفكر المتطرف، ينتهون غالبا كقرابين لتطرفهم، لكن هل تنتهي صلاحية أفكارهم، الأمر لا يمكن أن يعالج إلا من خلال مقاربة المثال مع واقع معاش، فالتكفير المعاصر في العالم العربي خصوصا، والإسلامي عموما، بدأ من تنظيم القاعدة، الذي تفرع إلى تنظيمات وتيارات أشد تطرفاً مثل “داعش”، الذي كفّر مؤسسيه أصحاب تنظيم القاعدة، وعلى أساس تطوير الفكرة أساسا، كما حدث في المسلسل مع “برزك”، حينما ادعى أن “الهادي”، بن الحسن الصبّاح”، ترفع في السماء بدلاً من الاعتراف بأنه قتله، ولم يكن “الصّباح”، هنا في موضع يقدر من خلاله على التشكيك في رواية قاتل ابنه، لأن ذلك سيعني أنه سينكر كل الفكرة التي قضى حياته يؤسس لها، فاستسلم للقبول.

معان لم تكن لتصل إلى الشرائح المصرية الأقل تعليماً من وجهة نظر صنّاع العمل لو إن منطوق الشخصيات كان بـ الفصحى، ومع معرفة إن الفصحى بصورتها التي نعرف اليوم مختلفة تماماً عن اللغة التي كانت سائدة عليه منذ زمن الإسلام الأول وحتى أواخر الدولة العباسية، سيكون من الصعب اعتماد الفصحى بالنسبة لمجموعة تجد إنها تتجه أولاً إلى المصريين الذين ظلوا يتحدثون القبطية حتى زمن مبكر من عمر الدولة العربية أو الإسلامية في مسمى آخر، كما إن نطق الشخصيات باللكنة المصرية لم يؤثر على جودة العمل الفنية، فماذا لو إن العمل انتج من قبل شركات العرض الرقمي السائدة اليوم عالمياً كـ نفتليكس، وقررت أن تأخذ النص وتترجمه إلى الإنكليزية لتقدمه كنص ملحمي يروي حياة أحد أهم سفاحي التاريخ من وجهة النظر الأوروبية، ألن يلاقي العمل رواجاً بالإنكليزية كما حدث في المصرية..؟

نعتقد أن المهم في أي عمل فني هو الموازنة بين القدرة على تحقيق قيمة فنية مع رواج تجاري، وربما كانت اللكنة المصرية واحدة من أهم مفردات الرواج التجاري للعمل في الداخل المصري وهو السوق الأهم بالنسبة لصنأعه نظرا لكون تعداد الجمهور المصري ضخم.

اللغة البصرية

حاول المخرج الشاب “بيتر ميمي”، أن يقدم أعلى جودة فنية ممكنة من حيث الرسم البصري للنص، وانعكس ذلك من حيث تصميم وتنفيذ عالي الحرفية للمشاهد الأهم في المسلسل مثل الرحلة البحرية للصباح بعد نفيه من مصر، ومشاهد الشدة المستنصرية الأكثر وجعا في التاريخ المصري، إضافة إلى مشاهد قد تكون غير مسبوقة من حيث التنفيذ الاحترافي للمعارك، والاستعانة بالخبرات الأجنبية من قبل مصمم المعارك والممثل المصري “أحمد عبد اللاه”، ليصل إلى هذا الأنموذج.

المنتج الفني للمسلسل “فتحي إسماعيل”، صرح أن التحضير للعمل تطلب ثلاثة أعوام ليصل إلى المستوى المطلوب،
وأن مصممي الملابس اضطروا للسفر إلى عدة دول للحصول على الأقمشة لتصنيع الأزياء.. جهد بدا واضحاً من حيث التفاوت المدروس في أزياء الشخصيات من دولة إلى أخرى، فالشخصيات الفاطمية اختير لها اللونين الأبيض والأخضر، فيما كان السمة العامة للشخصيات القيادية في حركة الصباح الأسود، والدولة السلجوقية كانت مزركشة الأزياء، وهذا التباين والتفاوت الذي جاء موفقا، كان يساعد الجمهور على فهم الانتقال من مكان لآخر، ومن حياة لأخرى، إلا أن ما عاب النتيجة النهائية أن الأزياء كانت أكثر أناقة من المتوقع لهذه المرحلة الزمنية.

أما الديكور فكان من العيوب الكبيرة في العمل، إذ بدا واضحا في المشاهد الداخلية أننا نتعامل مع استيدوهات مبنية لتنفيذ العمل لا أماكن حقيقية، خاصة في مشاهد الحجرات الخاصة بقلعة “ألموت”، أو قصر السلطان السلجوقي، كما إن البنية العامة للعمارة كُتب عنها من قبل بعض الاختصاصين إنها كانت قريبة من العمارة المغولية.

يحسب لبيتر ميمي تفوقه في اختيار شكل وحجم اللقطة مع توظيف للتصوير الجوي عبر “الهيل كام”، أو “الدرون”، بما يخدم المشهد في الكثير من اللقطات التي صورت بهذه التقنية، فكان المتلقي يشعر بعلو قلعة ألموت التي تقول حقيقتها التاريخية إنها مبنية على ارتفاع 6000 قدم، وأخذت اسمها “عش النسر”، من هذا الارتفاع إضافة لصعوبة الوصول.

كذلك كانت “الدرون”، عاملا مساعداً على خلق الملحمية في حلقة “معركة الليل الطويل”، أولى المعارك التي انتصر فيها الصبّاح وتحول من خلالها إلى اسطورة، ويضاف إليها معركة “قلعة بن الحافظ”..  لكن هل كانت الدرون في كل اللقطات تخدم المشهد، الجواب هنا يأتي بالنفي لكنها بالمقابل أضفت جماليات خدمت حالة التنوع البصري للأماكن باختلافها.

في الأداء لم يحتج “كريم عبد العزيز”، إلى الأدوات الاعتيادية لشخصية الشرير، كان المتلقي أمام شخصية مركبة لا تحتاج إلى بريق العين الماكر، أو الابتسامة الخبيثة، أو الصراخ أو استخدام طبقات الصوت المهدد أو الفحيح ليكون ثمة شر في بنيتها، كان إنسانا طبيعيا لدرجة أن المتلقي صدق أن كريم عبد العزيز هو الصبّاح، وأن الصبّاح كان في حياته الطبيعية كما قدمه كريم عبد العزيز، وهذا يعود لكون الممثل المصري الذي بات نجم الشباك الأول في بلاده، صدّق إلى مرحلة كبيرة وجوده في هذه الشخصية، والحال نفسه مع شخصية “زيد بن سيحون”، للممثل أحمد عيد، إضافة إلى ان الممثل سامي الشيخ كان بمستوى عال من الصدق في تقديمه لشخصية “برزك أميد”، مع ممثل من الطراز العالي في تأدية شخصية “صهبان البلان”، ولعل خيارات بيتر ميمي في تقديم الشخصيات المحيطة بـ “حسن الصباح”، من الممثلين الذين لا يعرفهم الجمهور كثيراً، عكس جودة في إدارة الممثل من قبل المخرج الذي يبلغ من العمر 38 عاماً فقط.

مسلسل الحشاشين تعامل مع التاريخ على إنه موضوعة لعمل فني حقق التوازن بين المتعة والفائدة، التي لم تكن محصورة بتقديم نص تاريخي وثائقي، بل إعادة إنتاج للشخصيات التاريخية بما يخرجها من الصورة التي نمطت فيها، وكان الأمر ملموساً في رد الفعل الشعبي حول شخصية عمر الخيام، وكانت شريحة من الجمهور لا تعرف باسمه إلا كعلامة تجارية  لمشروب كحولي ، لكن الملسل دفع بكثيرين للبحث. وبالقياس على هذه المفارقة التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن القول أن عملاً مثل الحشاشين، يستدعي من الجمهور القراءة والبحث عن فرقة تاريخية، والمرحلة الزمنية التي عاشتها، والشخصيات التي تواجدت في تلك المرحلة من المفكرين والفلاسفة، تجعل من إنتاج مسلسلات مماثلة ضرورة لإعادة تقديم الفكر الشرقي – العربي وسواه- بصورة صحيحة.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة