جوى للانتاج الفني
الرئيسيةفي الصالاتالأبطال الخارقون.. ماذا حدث للسينما

الأبطال الخارقون.. ماذا حدث للسينما

لن يكون هذا المقال تكراراً لما قاله سكورسيزي وتارانتينو ومخرجون مخضرمون آخرون عن جانر السوبر-هيرو، بأن هذا النوع لا يمت للسينما بصلة.
فقد استعرض سام رايمي في ثلاثية “الرجل العنكبوت” بعضاً من أفضل الأشرار الذين ظهروا على الشاشة الكبيرة، وقدم ريتشارد ليستر مشهداً لا ينسى عندما وضع سوبرمان في مواجهة كلارك كينت عام 1983.
باتمان سيكون مثيراً غداً كما كان في الأمس، لنفس السبب الذي نجد فيه المافيا الإيطالية جذابة في السينما،
ليس بسبب الأطقم الفاخرة وأعشية اللوبستر وقضاء الوقت الممتع بين طاولات البوكر والجنس مع راقصات الستريب تيز،

“الاستوديو المنتج بات يعيد تصميم إيقاع الفيلم
ليناسب حالة كرنفاليه صاخبة سريعة الاستهلاك”

بل لأنهم رغم كل هذا الأدرينالين الجاري في حياتهم، يستيقظون بشيالاتهم حيث يمكننا أن نرى صليباً أو طبعة لقديس على قطعة فضة فوق الشعر الأشعث على صدروهم،
ويحاضرون أبناءهم عن أهمية العائلة والوفاء على طاولة الفطور قبل أن ييتموا طفلاً ويرملوا امرأة أو أن يشي أحدهم بآخر للمباحث.
الترنح الدائم بين أقصى الخطيئة وأقصى الفضيلة هو ما يتعطش إليه المتلقي وما يفتقده في حياة تتسم بتدرجات الرمادي، وفي القليل النادر بأبيض وأسود صريحين.
باتمان يبرح أعداءه ضرباً لكنه لا يقتل، أيرون مان نرجسي وفظ لكنه قدرته على العطاء والتضحية مطلقة، الرجل العنكبوت مشاكله العاطفية وتساؤلاته الوجودية تشوش على قدراته في حياكة شباكه…
يكمن في كل من هؤلاء برزخ هائل بين القوة والضعف، اليأس والإصرار، البراغماتية والعقائدية.

إذاً المشكلة ليست في النوع نفسه، لكن في طريقة التعاطي معه بين الحاضر والماضي.
فماذا حدث منذ بدء معالجة القصص المصورة عبر السينما إلى يومنا الحالي الموبوء بالكرومات الخضراء؟
باعتقادي، غياب عنصر المفاجأة لحساب العامل الربحي في المراحل الثلاث لصناعة الفيلم هو ما أوهن المتلقي في السنوات الأخيرة.
المرحلة الأولى (التحضير): الاستباق المفرط في التسويق، حيث أن 3 هو العدد الوسطي لتريلرات فيلم مارفل في أميركا فقط.
مثلاً يوجد على الإنترنت نحو 8 دقائق من المواد التسويقية لفيلم Avengers: Endgame، ما يعادل مدة فيلم قصير قائم بحد ذاته.
ثقافة التريلرات أصبحت وزناً ثقيلاً على الجمهور وصناع العمل على حد سواء،
فالجمهور لم يعد فضولياً بقدر ما أصبح متطلباً،
وصناع العمل انزلقوا أكثر للانصياع لإبقاء عجلة الدهشة في حالة دوران أمام منتجين مدمنين على الربح وجمهور مدمن على الأدرينالين.
عند الإعلان عن المرحلة الثالثة لعالم “مارفل” السينمائي،
تم رصد الخطة الزمنية أمام الجمهور لإتمام 11 فيلما، الفيلم السابع هو Avengers: Infinity War،
الذي ينتهي بمسح ثانوس لنصف الحياة في الكون، ويكون الرجل العنكبوت ضمن من تم مسحهم،
وهنا تكمن المشكلة..
حيث أن الفيلم الأخير من إصدارات المرحلة الثالثة هو Spiderman: No Way Home.
كيف يمكن أن يهزني موته إن كنت على دراية تامة بأنه سيعود في فيلمه الخاص؟
هل للموت وزن يذكر من الأساس في عالم سينمائي يخرج من جعبته وقتما يقتضي الأمر أدوات سردية إعجازية مثل السفر عبر الزمن أو الأكوان المتوازية؟

الابطال-الخارقون
الابطال-الخارقون

المرحلة الثانية (التنفيذ بين التصوير والعمليات الفنية): المراحل الثلاث الأولى كانت تستضيف مخرجين ضليعين في اختصاصهم،
فكانت توكل الأفلام التي تحمل ثقلاً روائياً وتنوعاً في الشخصيات والصراعات بين الأصدقاء والأعداء إلى الأخوين روسو،
ثم جاء تايكا واتيتي وأعاد تعريف مفهوم “المتنفس الكوميدي” الذي بات بصمة في أفلام مارفل،
فعرف أين يخلص للدراما وأين يهرب إلى الكوميديا في Thor: Ragnarok،
لكنه فقد السيطرة على تلك المعادلة عندما عاد في Thor: Love and Thunder.
جون فافرو تفرغ في البداية لصياغة حكاية Iron Man،
كما تفرغ جيمس غان لأفلام Guardians of the Galaxy.
كل شخصية أو فريق أدارها مخرج لا يشبه آخر في تعاطيه مع النوع،
وهو امتياز استغنت عنه مارفل إلى حد كبير في مرحلتها الرابعة،
وهي الحقبة الوحيدة في تاريخ الاستوديو الذي قاربت أفلامه فيها الفشل في شباك التذاكر.
التوجه نحو تكليف مخرجين لا يملكون بصمتهم الخاصة كان كفيلاً بإظهار العيوب التي استطاع أسلافهم تفاديها أو التشويش عليها.

الابطال-الخارقون
الابطال-الخارقون

المرحلة الثالثة (العرض واختلاف شرطه): مع انتهاء عصر النسخ الصلبة، والتي كانت المصدر الأكبر لربح الفيلم،
أصبح الاستوديو المنتج يضع كامل ثقله التسويقي للتأكد من أن أفلامه ستربح في الفترة التي يتواجد فيها الفيلم بدور العرض،
ثم بات يعيد تصميم إيقاع الفيلم نفسه ليقارب حالة كرنفاليه صاخبة سريعة الاستهلاك.
فإن نظرنا بتمعن إلى أفلام مارفل أو دي سي الأخيرة،
سنلاحظ وجود لحظات صمت مفبركة قد يستهجنها المشاهد الذي يتابع الفيلم منفرداً،
إذ أن هذه اللحظات وضعت لتصفيق الجمهور وهتافه.
الإحساس الروائي للفيلم استبدل برشقات عاطفة مصنعة لجمهور حبيس حنينه تجاه أبطال طفولته.

في 20 نوفمبر 2023، نشر الصحافي والناقد الفلسطيني خليل حنون فيديو من العاصمة “سول” في كوريا الجنوبية،
يظهر فيه قاعة سينما فارغة قبل بدء عرض فيلم “The Marvels”،
آخذين بعين الاعتبار أن جمهور كوريا شديد الإقبال عادة على أفلام الأبطال الخارقين.
قد تكون هذه اللحظة هي ختام مرحلة وبداية أخرى في عالم السينما،
وأعتقد أنها تحمل في طياتها تحذيراً يجب على المنتج العربي التقاطه اليوم: الجمهور سئم من النتاج الفني الذي لا يحمل توقيع مخرجه بشكل حقيقي ومؤثر.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة