جوى للانتاج الفني
الرئيسيةنقد تلفزيونياستنساخ درامي آخر .. "الثمن” الذي لا يمت إلينا بصلة!

استنساخ درامي آخر .. “الثمن” الذي لا يمت إلينا بصلة!

يمنى يازجي

“الثمن” الذي لا يمت إلينا بصلة!

كثرت المسلسلات المعربة خلال الأعوام الفائتة بشكل لافت،
ومن الواضح أن كثيراً من هذه الأعمال بات يحظى بجماهيرية واسعة ويحقق نسب مشاهدة عالية لا يمكننا التغاضي عنها،
وربما يعود السبب في ذلك إلى الحملات الترويجية الكبيرة التي تسبق كل عمل، ولكن الأهم أن هذه الإنتاجات هي من النوع الضخم (مادياً) حيث تسعى شركات الإنتاج إلى إبهار المشاهد، أكثر من سعيها إلى تقديم مادة درامية غنية بمضامينها ومواضيعها.

ويبدو أن هذه الأعمال ليست مجرد ظاهرة عابرة، إذ حجزت مكاناً دائماً لها وأصبحت تشكل ركناً أساسياً في الدراما التلفزيونية..

ولكن، ورغم نجاح هذه الأعمال “بالأرقام”، إن صح التعبير،
إلا أنها سرعان ما تمحى من ذاكرة المشاهد، ويعود ذلك إلى عدم ملامستها للقضايا الواقعية التي يعيشها الناس،
فتارة نجد بطلاً يقضي نهاره على يخت فاخر،
وتارة أخرى نقف أمام بطلة تقضي المسلسل برمته وهي مهمومة فقط بالحفاظ على أناقتها وشكل إطلالتها
..

مسلسل “الثمن” كان آخر هذه الأعمال المعربة،
وهو مأخوذ عن المسلسل التركي “ويبقى الحب (ألف ليلة وليلة)”،
وقد دارت أحداثه على مدار 89 حلقة حول امرأة أرملة تدعى “سارة” (تجسد دورها اللبنانية رزان جمال) والتي واجهت الكثير من التحديات خلال حياتها، من وفاة زوجها،
إلى مرض ابنها “إبراهيم” وعجزها عن تأمين تكاليف علاجه،
إلى علاقتها مع “زين” (باسل خياط) مدير الشركة التي تعمل بها وتطورات هذه العلاقة،
وما نتج عنها من أحداث على مدار حلقات العمل..
هذا في الشكل، أما في المضمون فيمكننا التأكيد أن العمل قد وقع في فخ التطويل (التمطيط)،
وكان إيقاعه بطيئاً للغاية، فبدت الحكاية بكل تفاصيلها وكأنها تراوح مكانها.

رؤية مختلفة عن الأصل

حاولت الكاتبة يم مشهدي أن تخرج عن مسار العمل التركي وتأخذ الخطوط الأساسية فقط وتٌشعب منها خطوطاً أخرى لم تكن موجودة.
تغييرات، أحدثت تحولاً كبيرة في أحداث العمل،
لكنها للأسف لم تكن دوما في مصلحته بشكل عام، ففي النسخة العربية يفاجأ الجمهور،
مثلاً، بموت مبكر لشخصية كرم المحورية،
والتي لعبت في النسخة الأصلية دوراً أكبر وأكثر اقناعاً وتشويقا حيث يتزوج من تيما رغم استمرار حبه لسارة ما يحول العلاقة الزوجية إلى جحيم يدفع بالزوجة للإدمان على الكحول وبه إلى كشف السر المهين لمحبوبته ..
وبالعموم ربما لو تم الإبقاء على الأحداث الأصلية لكنا شاهدنا عملاً أفضل أو قصة درامية متماسكة بشكل أقوى.

صور لا تشبهنا!

الديكور واحد من أهم أركان نجاح العمل التلفزيوني،
ولكنه في “الثمن” لم يكن كذلك.
فالترف المبالغ به في كل أماكن التصوير، وفي كل العناصر الأخرى،
جعلنا نشعر بغربة المسلسل عن حياتنا..
لم نر منزلاً متواضعاً كالمنازل التي اعتدنا عليها،
ولم نشاهد مائدة بسيطة مثل موائدنا..
بل وقفنا أمام قصور فارهة لا نعرف بدايتها من نهايتها، خالية من التفاصيل التي تجذب قلب المشاهد وروحه.

كل هذا الزخم الإنتاجي لم يرسخ في ذهن المتابع، وهو أصلاً موجود لأسباب ترويجية،
وتسويق أكبر عدد ممكن من الأماكن السياحية، ولم يكن مهماً لصناع العمل وجود مادة درامية تحترم عقل المشاهد وفكره وشعوره.

الغائب الحاضر

جسد باسل خياط الكثير من الأدوار المختلفة خلال مسيرته الفنية،
واستطاع في كل مرة أن يعطي الشخصية طابعاً مختلفاً ويقدمها بطريقة لا تشبه سابقاتها،
لكنه هذه المرة، في “الثمن”، ظهر وكأنه غير مقتنع بالدور، وراح يحاول استحضار العديد من الأدوار التي قدمها خلال مسيرته ويجمعها في شخصية “زين”،
ما أوقعه في فخ المبالغة، مع اصراره على التقتير بالتعبير في مختلف المشاهد، حتى العاطفية منها..

ولعبت الفنانة القديرة صباح الجزائري دور والدة “زين”،
حيث قدمت في العمل شخصية الأم المتسلطة التي تبحث عن سعادة ابنها لكن من وجهة نظرها،
واستطاعت أن تُكون لهذه الشخصية بعداً مختلفاً، ولقد وقفنا أمام قامة فنية تستطيع أن تخلق هالة جديدة لكل شخصية ودور، ليشكل حضورها هذا فارقاً كبيراً على مستوى العمل بشكل عام.

ريهام كفارنة أعطت شخصية “نور” الكثير مما تملك من قدرات، وعملت بجد على الشخصية،
لكنها بالغت في نقل صورة المرأة الضعيفة والمنهارة بسبب من خيانة زوجها،
وشهدناها طيلة حلقات العمل وهي متعبة وسيئة المزاج ولم تقدم أي حالة أخرى للشخصية.

وأين نانسي خوري وحضورها الجذاب في أي عمل؟ لم نرها حاضرة بقوتها المعتادة وأدائها المنضبط،
ربما لأن شخصية “رولا” لم تساعدها على تأسيس حضورها بشكل صحيح منذالبداية،
أو لأن مساحة الدور صغيرة جداً وليس لشخصيتها أي أبعاد تستطيع أن تنقلها للمشاهد كما اعتادت أن تفعل دوماً، كذلك رسل الحسين التي لم تثبت وجودها كما يجب،
حيث كان من الممكن أن تستغل فرصة مشاركتها في هذا العمل بطريقة أفضل.

من ناحية أخرى، كان طلال مارديني بحاجة ليعمل على الشخصية بشكل أكبر ليأخذها إلى مستوى أعلى ولو قليلاً، مع أن شخصية “سالم” كانت من الشخصيات التي شهدت تحولات كبيرة على مدار الحلقات.

مشهد العودة يخيب الآمال

شهدت الحلقة 85 من العمل عودة سارة وزين إلى بعضهما في مشهد أقل ما يقال عنه أنه ضعيف،
سواء كحوار أو حتى كأداء تمثيلي،
حيث من المفترض أن هذه المشاهد تتم دراستها بعناية كبيرة لأنها ستكون نقطة تحول في العمل،
أو على الأقل ليتذكرها المتابع فيما بعد،
إلا أنه حدث العكس تماماً حيث بدا مشهد العودة كأنه حدث عابر ولا يؤثر على سير الأحداث،

وتمت تأديته بأبسط الإمكانيات التمثيلية عند باسل خياط ورزان جمال،
حيث عجزت “سارة” عن أداء دور العاشقة،
فظهرت باردة وبدت كأنها تتلو حواراً موجوداً أمامها.
وبالمقابل لم تتمكن تعابير باسل خياط أن تنقل صورة المشهد بشكل صحيح ليشعر به المتابع،
فليس من المهم هنا فقط مشاهدة ما يحدث وإنما أيضاً إيصال المشاعر التي يمتلكها الطرفان في هكذا لحظات.

مأزق النهاية

على مدار حلقات المسلسل التي استغرق عرضها قرابة ستة أشهر،
كان “الثمن” يسير بخط مغاير تماماً للنسخة التركية باستثناء نهاية العمل السعيدة،
والتي يتزوج فيها “زين وسارة”،
لكن كان من الممكن تغيير النهاية أيضاً، على الأقل لتتناسب مع سير الأحداث التي جرت في حلقات العمل حيث استبعد البعض فكرة عودتهما من الأصل، كل ذلك يضع الشركة المنتجة

وكاتبة العمل أمام المزيد من الأسئلة حول غياب طرح فكرة درامية متناسقة وحول وجود مجموعة من الأخطاء،
سواء درامية أو إخراجية أو حتى على مستوى النص وأداء الممثلين.
وفي النهاية يبقى التأكيد على أن هذه الأعمال هي عربية فقط على مستوى اللغة الموجودة والفنانين المشاركين،
ولكنها في الطرح والمضامين والدلالات.. لا تمت لحياتنا بصلة.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة