رواد إبراهيم
“إلى ابني” بين التقاليد والحداثة…
هل نجح فيلم ظافر عابدين في إيصال الفكرة؟
عرض فيلم “إلى ابني” أثناء وجودي في مدينة الرياض، حيث تم العرص الافتتاحي الأول للفيلم في سينما فوكس في فيا رياض، لا أخفي إعجابي بصالات العرض الرائعة التي توفر كل الراحة للمشاهد، حيث لاتستوعب الصالة أكثر من ثلاثين شخصاً يتوزعون على سبع صالات، يختار المشاهد أياً مها بما تحويه من مستلزمات الراحة والأجواء المناسبة للمشاهدة.
يمثل فيلم “إلى ابني” المشروع الثاني لظافر عابدين في الإخراج والبطولة والإنتاج، بعد فيلمه “غدوة” 2021 الذي لعب أيضاً بطولته وشارك في كتابته وانتاجه.
تدور أحداث الفيلم حول شخصية فيصل (لعب دوره العابدين) وهو مواطن بريطاني من أصل سعودي، مقيم في لندن مع ابنه آدم البالغ من العمر 7 سنوات.
بعد مقتل زوجته الإنكليزية أنجيلا على يد أحد المشردين، يقرر العودة بشكل نهائي إلى بلده الأصلي (مدينة أبها)، المدينة التي ستكون مكاناً للأحداث والمفارقات اللاحقة.
الفيلم حاول أن يوائم بين خلخلة بعض التراكمات الموروثة و ما يتطلبه ترابط الأسرة والحفاظ على كيانها كبنية اجتماعية مهمة.
حين وصوله إلى بيت الأهل تستقبله شقيقتاه شهد ونورا وشقيقه الأصغر فارس بكل الحفاوة والحب، لكن والده ابراهيم الذي رفض فكرة سفره والابتعاد عن عائلته وبلده لم يستطع تجاوز الأمر، بقي منحازاً لموقفه الرافض لوجوده بينهم بعد غيابه كل هذه السنوات، بل بقي مشككاً في نوايا الأبن بالعودة، وبدا ذلك واضحا في موقف الأب الذي رفض حتى النظر بوجه ابنه أو رد التحية، على الرغم من محاولات الأبن المتكررة للتقرب وإعادة المياه لمجاريها مع الأب، إلى أن يتوفى الابن بمرض السرطان والذي لم يفصح عنه فيصل.
بعد اكتشاف الأب حالة الابن، تتغير المواقف والأحداث، ليصبح أكثر تفهما وتقبلاً لكثير من المسائل التي كان يرفض حتى النقاش فيها.
أعتقد أن اختيار هذه المدينة الجميلة كمكان لتصوير الفيلم أتى لسببين أساسيين، أولا: تسليط الضوء على التطور الذي تشهده السعودية على الصعيد الاجتماعي والثقافي والفني وغيره، وذلك عبر الدخول في تفاصيل حياة عائلة تقيم في مدينة” أبها” مؤلفة من أب وأربعة أولاد وحفيد، هؤلاء ينتمون إلى ثلاثة أجيال إذ يبدو الصراع بينهم مجسداً في اختلاف المواقف وردود الأفعال اتجاهها، فالأب يرفض زواج ابنته من رجل يعجبها، وفيصل يدافع عنها ويطالب والده بالموافقة على هذا الزواج لأنه خيارها، علما أن الأب سمح لها بشراء سيارة وقيادتها كما سمح لها بنزع الحجاب، وهذا مؤشر على التطور الاجتماعي الحاصل لكن ضمن حدود.
خطوط متعددة تشير إلى هذا الانفتاح، ففي أبها يتعرف فيصل على صديقة أخته التي تعمل في ترميم الآثار ويعمل على مساعدتها ويجتمعان معاً كرجل وامرأة لوحدهما في المكتب أو الأماكن العامة وهذا لم نكن نراه سابقاَ.
كذلك التخلي عن اللباس التقليدي في كثير من المشاهد وارتداء الزي الحديث، علماً أن الزي التقليدي مازال منتشراً بين كثير المواطنين.
لكن هذه الخطوط والحكايا لم تستطع أن تصل بالمسارات الدرامية إلى المستوى الفني المطلوب، فبقيت عاجزة عن دفع الأحداث إلى الأمام بشكل سلس وبالتالي لم تغن المضمون كما يجب.
يقول عابدين: “هل يمكننا اعتناق التقاليد في في وقت نبقى فيه منفتحين على الحداثة؟ وهل نستسلم للظروف ونتقوقع في منطقة السلامة والراحة عندما تواجهنا ظروف من شأنها تغيير مجرى حياتنا بأكمله أم هل نواصل تطورنا كأشخاص؟”
الإرث الثقافي قد يشكل عقبة أمام التطور إن بقي محافظاً على مكوناته دون تطوير بعض جوانيها والقفز عليها.
وهذا ما يظهره الفيلم بلغة سهلة ومباشرة، لكنه كان يحتاج إلى تعمق أكثر في المعالجة؟
في كل الأحوال الفيلم حاول أن يخلخل بعض التراكمات من التقاليد والعادات الموروثة والتطلع نحو التوفيق بينها وبين ما يتطلبه ترابط الأسرة والحفاظ على كيانها كبنية اجتماعية مهمة.
أما السبب الآخر لتصوير مشاهد الفيلم في هذه المدينة، فهو تعزيز قيمتها كواجهة سياحية وآثارية تاريخية، وساعد في ذلك نجاح الكاميرا في تسجيل لحظات شاعرية مع انعكاس الضوء والظلال والألوان في مناطق التصوير، إضافة إلى التركيز على بعض الأماكن الجميلة في الطبيعة كالجبال والوديان وكذلك القلاع. وقد قال عابدين عن المدينة إنها ساحرة، وحين زارها أعجب بها كثيراً وقرر صناعة هذا الفيلم.
عندما سألت ظافر عابدين عن صعوباب العمل كمخرج ومؤلف وبطل للفيلم، قال: “لم أجد أية صعوبة بعد اشتغالي على النص وهضمه بشكل جيد بل ساعدني ذلك على تجاوز الصعوبات التي كان من الممكن أن تحدث”.
على الرغم من من تصريحه أنه تدرب على اللهجة السعودية، إلا أن هفوات كثيرة ظهرت في أداء الممثل ظافر عابدين للهجة، وهي ثغرة بررها بغياب البطل عن البلد لسنوات طويلة.
يضم الفيلم عدداً كبيراً من الممثلين السعوديين، مثل ابراهيم الحساوي وسمر ششة وسارة اليافي وغيرهم، وكان أداؤهم جيداً، وخصوصا إبراهيم الحساوي في دور الأب.
الفيلم من تأليف وإخراج وبطولة ظافر عابدين وإنتاج 03 Double A productions Medya