جوى للانتاج الفني
الرئيسيةنقد تلفزيونيإبرة وخيط.. حكايات قديمة في إطار معاصر متحرر من اعتبارات المنتج والقناة

إبرة وخيط.. حكايات قديمة في إطار معاصر متحرر من اعتبارات المنتج والقناة

نور الأتاسي

تقدّم كلّ حلقة من سلسلة (إبرة وخيط)،
وفي مدّة لا تتجاوز الخمس دقائق، مشهداً مكثفاً يتطرّق إلى موضوعةٍ تلامس المجتمع السوري في صميمه.
وفي حين يغطي الموسم الأول قضايا عامة حسّاسة تتناول هموم الناس وآلامهم، ينحو الموسم الثاني إلى تسليط الضوء بشكلٍ مركّز على قضايا المرأة في سوريا، إن لم يكن عربياً.
هذا الطرحُ المعاصر والطازج لحكاياتٍ قديمة كانت ولا زالت ترخي بظلالها الثقيلة على حياتنا اليومية،
يجعل من (إبرة وخيط) مادةً جديرةً بالمتابعة،
خاصةً وأنّه من إنتاجٍ مستقل لا يخضع لرؤية وتوجهات المنتجين وشبكات التلفزة.

إبرةٌ في كومة قشّ

إبرة تخز.. وخيط لا يرتق، بل ينسج دراما مكثفة من صميم الواقع السوري والعربي

خلال إحدى جولاتي اليومية في العالم الرقميّ المزدحم بكلّ شيءِ ولا شيء، أسعفني الحظّ بأن أتعثر بفيديو بدايته لشابةٍ تمسك رأسها بين كفيّها قائلةً (اطلعوا من راسي)! ولأني قرّرت ألا أفعل وجدتني أتابعها تقدّم أداءً مميّزاً يسرد أفكاراً طالما راودتني، لا بلّ راودتنا جميعاً، في حلقةٍ عنوانها (تطريزة) من سلسلة تحمل اسم (إبرة وخيط). وكأني عثرتُ على دربٍ مثيرٍ للفضول في رحلتي الرقمية، فتتبعت المصدر لاكتشف أنّ موسمين كاملين كانا في انتظاري.

 (إبرة وخيط) بموسميه من تأليف حازم سليمان.
وفي حين جاء الأول من بطولة كفاح الخوص وإخراج محمد عبد العزيز،
كانت بطولة الثاني للمثلة نانسي خوري وبتوقيع عمار العاني مخرجاً. والموسمان من إنتاج منصة 1+1 الرقمية.

في كلا الموسمين نتابع حكاية رجلٍ وامرأة يمتهن كلاهما الخياطة.
ومن موطن عزلتهما في مكان العمل يبوحان بأسرارهما وخفايا أحاسيسهما،
فيجادلان بكل ما يجري من حولهما،
يشجبان وينددان إلى أن يدركا في لحظةٍ أنهما يصارعان طواحين الهواء.
وفق هذه التركيبة البسيطة اختار المؤلف حازم سليمان أن يقصّ حكايا وهموم شخصيّاته بشكلٍ مباشرٍ وكثيف دون مواربة. كثافةٌ قد لا تكون مقبولةً تلفزيونياً،
ولكنها الحلُّ الأمثل لمادةٍ مرئيّة مخصصّة للعرض على الإنترنت،
حيث لا يميل المتصفحون عموماً إلى متابعة ما طالت مدته.

ابرة و خيط
ابرة و خيط

بين الموسم الأول والثاني

في الموسم الأول، مال الكاتب إلى استعارة المونولوج المسرحي بشكلٍ واضح، ما يبرّر محاولة المخرج محمد عبد العزيز التعامل مع الفضاء بطريقةٍ مسرحيّة، فجعل من الكاميرا شريكاً في المشهد إلى جانب الممثل من خلال منحها بعداً حركياً. كما وظّف المكان لخدمة العمل من ناحية التصميم وتطويع الديكور ليكون في خدمة العرض، فكانت لدمى عرض الملابس المنتشرة في أرجاء ورشة الخياطة وظيفةٌ أعمق من الشكل، فظهرت بمثابة شخصياتٍ خاطبها الخياط دائماً وكأنّه يأمل منها القيام بأدنى فعلٍ للتغير دون بارقة أمل.

ضمن هذا المزيج، كان من البديهيّ أن يقدّم الممثل كفاح الخوص تصوّره عن شخصية هذا الخياط وفق معايير مسرحيةٍ أيضاً، وهو خرّيج قسم التمثيل من المعهد العالي للفنون المسرحيّة. وبالفعل، برعَ في أدائه وتمكن من ضبط الشخصية بإحكام، ليأتي ظهورها على مدى الحلقات الخمسة عشر متيناً متناسقاً، معطياً كلماتها دفقاً عاطفياً صادقاً.

مادة درامية قدمت في جزئيها الأول والثاني لكل من كفاح الخوص، ثم نانسي خوري فرصة أداء عاطفي ودون مبالغة 

لربما كان لهذه التوليفة أن تنجح بشكلٍ أكبر لو قُدِّم العمل على خشبة مسرحٍ بالفعل، فشحنة الانفعالات مرفقةً بحركة كاميرا لا تهدأ زادت بكثير عما يحتاجه العمل. ولعل هذا ما دفع بالمؤلف إلى إيجاد حلٍّ جديد مع الحفاظ على ذات البساطة في الموسم الثاني، والذي منه أطلّت نانسي خوري علينا بدور الخياطة (ياسمين)، وبدور نسختين عنها إحداهما انهزامية مستسلمة والأخرى متحديّة واثقة. على لسان هذه الشخصيات الثلاث يتوزّع المونولوج ليأخذ شكلاً من الحوار ساعد على منح المواضيع التي عالجتها الحلقات أبعاداً أعمق وأعطى العملَ السلاسة التي تاه عنها موسمه الأول.

هنا لا بدّ من الإشادة بأداء (خوري) التي نجحت في تقديم الشخصيات الثلاث المتباينة بحرفيّةٍ عالية دون تكلّفٍ أو مبالغة، فنقلت الأحاسيس كما هي صادقةً دون تشذيب. ولا بدّ أن موضوعة المرأة أو الأنثى التي يركّز عليها الموسم الثاني لامست (نانسي)، فترجمتها أداءً.

بالطبع، كلّ ما سبق نجح في رصده من وراء الكاميرا المخرج عمار العاني، والذي رغم بعده عن العمل في الدراما التلفزيونية، إفغ أنه يملك رصيداً كبيراً كمخرجٍ قدّم الكثير من الأعمال الدعائية التي ظهر أثرُ أناقتها في الصورة التي قدمها في (إبرة وخيط) دون أن يخطف الأضواء من أداء الممثلة أو الموضوع. فبخفةٍ مدهشة نجح (العاني) في تقديم خمس دقائق عالية الكثافة في كلّ حلقة من خلال كوادر ممتعة بصرياً وفي منتهى الحساسيّة.

ابرة و خيط
ابرة و خيط

دراما بديلة؟

فهل يكون (إبرة وخيط) وما سبقه من تجاربَ مماثلة وما سيليه فاتحةً على عالمٍ من الدراما الموازية التي تُعرض على الإنترنت دون أن تخضع لأمزجة أجهزة الرقابة واستراتيجيات محطّات التلفزة المؤتمتة، وهل تكون هي بالفعل الانطلاقة نحو منصّاتِ مشاهدةٍ رقميّة تلبي طموحات الجمهور فتقدم محتوىً أكثر واقعيةً وصدقاً يعكس روح الشارع العربي؟

من الجدير بالذكر أن (إبرة وخيط) متوفر للمتابعة المجانية على موقع 1plus1.show بالإضافة إلى العديد من البرامج المنوعة التي تغطي مساحات متعددة، منها بودكاست (بيناتنا) للكاتب يعرب العيسى، بودكاست (ستوديو دمشق)، مسلسل (حكايا رضا)، وسلسلة (حكايا الدساتير) الوثائقية.

مقالات ذات صلة

- Advertisment -

الأكثر شهرة