تقول كلمات الأغنية الفيروزية البديعة، وقد لحّنها عبقري اللحن الأصيل فيلمون وهبي، بعد أن كتبها شاعر الجنوب الموهوب جوزيف حرب:
“رجع أيلول وأنت بعيد بغيمة حزينة قمرها وحيد”….
لكن سأسمح لنفسي بمعارضة هذه العبارة، بالرغم من جمالها ورومنسيتها لأقول: نعم.. رجع أيلول وبعد مرور 32 عاماً على الغياب، غير أن طيفه ليس بعيدا ولا وحيد، كما أنه لا يُقيم في غيمة نائية بل في القلوب، إذ ما زالت ذكراه تملأ الأجواء والفضاءات الواقعية والافتراضية… ذلك أن موهبته امتدت على شتى الفنون من تمثيل وغناء وتقليد أصوات وتقديم إذاعي وتلفزيوني.
كان نجما مضيئاً في زمنه، ما بين منتصف السبعينات، حين التحاقه بإذاعة مونت كارلو، وحتى مطلع التسعينات حين استسلمتْ روحُه في معركة المرض العضال، وما زال هذا النجم متألقاً في ذاكرة كل من عاصروه أو اكتشفوه بعد رحيله في أيلول 1992.
طبعا عرفتم أن من نشير إليه في هذه المقدمة هو الإعلامي النجم حكمت وهبي الذي اشتهر بلقب آخر طريف ومبتكر، ألا وهو “أميغو العرب”!!
وما أكثر المرات التي كان هذا السؤال يُطرح: لماذا أميغو العرب، وماذا تعني العبارة؟
حسب ذكرياتي، أن الزميل العزيز، وكنا قد تزاملنا لسنوات طويلة في تلك الإذاعة الشهيرة، كان بارعاً في اجتذاب نجوم العصر، من العرب والأجانب، وقادرا على دعوتهم إلى حواراته، بدءاً من الموسيقار محمد عبد الوهاب إلى عمر الشريف إلى الشحرورة الصبوحة إلى وديع الصافي، وطبعاً فيروزتنا!!! وما أكثر نجوم الغرب الذين لبّوا دعوته للحوار، وكان من بينهم آنذاك في ثمانينات القرن الماضي، ساحر الصوت الإسباني خوليو إيغليزياس.
فوجئنا في أحد الأيام بحضور “خوليو” شخصياً، بكامل ألقه ووسامته، إلى استوديو مونت كارلو، ليكون في ضيافة زميلنا حكمت وهبي، وكانت في استقباله مجموعة العاملين في الإذاعة، التفوا حوله، ولكم علت الدهشة حين خاطب نجم الغناء خوليو محاوره النجم الإذاعي بكلمة “أميغو”، وهي الكلمة الإسبانية التي تعني “صديق”… ومنذ تلك اللحظة بدأ تداول الكلمة مضافا إليها اسم حكمت وهبي… ثم تحولت إلى شعار لبرامجه، وانتشرت إعلاميا وجماهيريا على أوسع نطاق…
وبما أن السيرة انفتحت، لا بد من الإشارة إلى أن ذكاء الأميغو حكمت وخفة ظله برزا أيضا من خلال فقرة برامجية بعنوان “أميغو عالخط”، إذ كان يقوم بتسجيل مقالب تلفونية معنا، نحن الزملاء، وأيضا مع عدد من المشاهير، مستخدما لهجات عربية وأجنبية، ومن أطرف هذه المقالب يوم انتحل شخصية محمد عبد الوهاب، وكان بارعا في تقليد صوته مع “النحنحة”، واتصل، على أنه الموسيقار الكبير، مع مدير الأخبار في الإذاعة، وراح يسأل عن تفاصيل مؤتمر دولي كان مجتمعا في مدينة “كانكون” بالمكسيك!!! ومدير الأخبار يحاول أن يقدم إجابات منطقية عن أسئلة لا منطقية يطرحها الموسيقار “المزيّف”… ولم يطل الأمر حتى اكتشف المسؤول الإخباري سر الخدعة التلفونية، وأن من كان معه على الطرف الأخر من الخط هو الأميغو ما غيره!!!!
وضحكنا، وما أكثر ما ضحكنا من هذه الفنون البريئة، وقد نعود إلى بعضها في مناسبات لاحقة..
واليوم نعترف أن أميغو الذي كان أمام الميكروفون والكاميرا وجمهور المسارح وكذلك على الخط… لا يزال “أميغو في البال”!!!
هيام حموي – إعلامية سورية